آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 9:28 م

جاويد وهارون

جاويد الأخُ الأكبر وهارونُ الأصغر، عاملانِ من لاهور باكستان. حضرا لتركيبِ بلاط صباح اليوم. لا بد أن تعرف من سيقوم بالعمل وما يلزم لإنجازه وكان تبادلُ التعارف باللغةِ العربيةِ الهجينة التي في العادةِ نستخدمها مع الأجانب ولا أعرفُ أحداً ممن يتكلمون لغةً أخرى يعبثُ بلغته ويسيءُ لها من أجلِ أن يتحدث لمن لا يجيدها. أصحابُ اللغاتِ الأخرى يقولونَ لك حسناً تكلم وإن لم نفهم ما تقول فعليك تعلم لغتنا.

على خلاف ذلك تكلم جاويد باللغة الانجليزية الفصحى مما حدا بي لسؤالهِ أين تعلمها. أخبرني أنه درسَ وتخرج من كليةِ الآداب وتخصص في دراسة وتدريس الأدب الإنجليزي. كان ذلك مريحاً لي ولا بد لشخصينِ من الشرق الأوسط من استعراض الاقتصاد والسياسة والأديان وكل ما يخطر بالبال من مشاكل البشر وهمومها ونجاحاتها.

عندما تكون في الغربةِ لا بد أن تستأنسَ بمن يبدو ودوداً لك. قال جاويد أنا مسيحي وهذا أخي هارون مسيحي ونحن نفضلُ الاسماءَ العربيةَ والثقافةَ الاسلامية في بلدنا لاهور ولا نحب أن نبدو غرباءَ وبعد خمسِ سنواتٍ من العيش هنا وتكريسِ الطباعِ ذاتها أصبح الباكستانيون المسيحيون ينادونني وأخي حاج جاويد وحاج هارون.

سافر جاويد إلى ألمانيا وعاش فيها سنتين قبل أن تحضر له فرصةُ القدومِ إلى المملكة والعمل كبناءٍ دون سابق معرفة. لم التقِ بعاملٍ يحمل شهادةً جامعية ويعمل عملاً ظننته بسيطاً حتى اليوم! لا يرغب الإخوانِ في العودة إلى باكستان قريباً وقد شارف المنزلُ الذي يبناينهِ بمساحة 300 متر مربع على أرضٍ بمساحةِ 800 متر مربع، فيه دورين من البناء واحدٌ لكلٍ منهما.

استطاعَ جاويد أن يعيلَ أسرتهُ ويبني بيتاً فاخراً حفر فيه بئراً لاستخراجِ المياهِ العذبة وقد أخبرته أمهُ أن الجيرانَ يأتون لأخذ والاستفادة من ماء البئر وهذا مبعثُ سرورٍ لجاويد.

جال في ذهني سؤالٌ طالما تنبأت به وحاولت استشراف الاجابة عنه، هل يأتي يومٌ يجيء أخوانِ من المحلةِ التي أسكنها يحملانِ شهادةً جامعيةً ينتظران دورهما في الحياة ويحكيَا لي تجربتهمَا بكل فخرٍ واعتزاز في العمل وبنائهمَا لمنزلهما  وإعالة أسرتيهما من مهنةٍ ليس فيها كرسيٌ أو دوامٌ روتيني؟

ليس عندي أدنى شك أن ذلك سوفَ يحصل يوماً ما وأجزم أنه لن يكونَ بعيداً. ربما يكلفني عملهما مبلغاً أكثرَ من جاويد وهارون ولكنه سوف يكون يوم مسرةٍ لي. ليست الجامعةُ في رؤيةِ جاويد إلا تَلَمَّسَ الطريق في الحياة فهي تدق لك الجرس متى ما كان أمامك منعطفاً أو طريقاً فيه انسداد بحيث تسلك مساراً آخرَ لكسب الرزق وليس أفضل من تلك الصنعة في اليد التي قلنا عنها في الزمن الماضي أماناً من الفقر.

أصلي أن تكون جودةُ عمل جاويد وهارون مشابهٌ لدرجتهمَا العلمية وإن لم يكن فبكلِ أسفٍ سوفَ أبحثُ عن أجنبيٍ آخر لإعادة العمل ربما كمار حتى يأتي دورُ جيراني وأصدقائي سعيد وناصر..

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
طاهرة آل سيف
[ صفوى ]: 11 / 3 / 2018م - 12:35 ص
ولا أعرفُ أحداً ممن يتكلمون لغةً أخرى يعبثُ بلغته ويسيءُ لها من أجلِ أن يتحدث لمن لا يجيدها. أصحابُ اللغاتِ الأخرى يقولونَ لك حسناً تكلم وإن لم نفهم ما تقول فعليك تعلم لغتنا.
آلم مني جانب الهوية والتراث والثوابت العربية التي لاتعرف أنت أحد يعبث ويسيء للغته مثلنا ولا أعرف أنا متى يتوقف الاستهتار بما نملك منها .
مستشار أعلى هندسة بترول