ثقافة الزمالة
يتخذ البعض الزمالة للاخرين جسرا للعبور، والوصول الى الغايات الشخصية، فهو لا يتورع عن توجيه الطعنات في الخفاء، واظهار البشاشة في العلن، خصوصا وان التقرب من الاخر لاهداف ذاتية، وبالتالي فانه يقفز من المركب بمجرد الشعور بالخطر، دون الالتفات للاخر، او محاولة تقديم المساعدة، انطلاقا من قاعدة ”. يا روح ما بعدك روح“.
الزمالة تمثل مظهرا من مظاهر العلاقات الانسانية، نظرا لصعوبة استغناء الانسان عن أخيه، والعيش منعزلا عن الاخرين، فالمرء مهما حاول الانقطاع عن الاخرين، فان تلك المحاولات محكومة بالفشل، لاسيما وان الطبيعية الاجتماعية للبشر، تدفع باتجاه تشكيل الكيانات الاجتماعية، سواء كانت على النطاق الصغير او الكبير، وبالتالي فان معرفة البشر بطائع بعضهم البعض، دفعت اصحاب المواقف الانتهازية، لاستغلال الاخرين لتحقيق المآرب الشخصية، سواء كانت بالطرق المشروعة، او عن طريق معاناة الاخرين، خصوصا وان الزمالة في نظر بعض الشرائح الاجتماعية، وسيلة للوصول نحو الاهداف المرسومة، سواء كانت مشروعة او مشبوهة.
الزمالة القائمة على تشابك العلاقات الشخصية، مهددة بالانفراط بين لحظة واخرى، نظرا لانعدام الثوابت والمرتكزات القادرة، على مواجهة التيارات، والصمود في وجه التيار الجارف، خصوصا وان كل طرف يحرص على الإستئثار بالمغانم، لذاته دون النظر للضرر المترتب على الاستفراد، او تقديم الاخر كقربان للحصول على الغنائم، سواء مادية او معنوية، فالعملية لا تعدو عن كونها بيع وشراء، بمعنى اخر، فان الحديث عن المبادئ، والقيم الاخلاقية، بمثابة اضاعة للوقت، فهذا النوع من الحديث - بنظر الانتهازي - ولا يقدم ولا يؤخر على الاطلاق.
الاختيار الصائب للزميل في المسيرة الحياتية، وكذلك لمواجهة نكبات الدهر، يمثل الضمانة الحقيقية، لبقاء تلك العلاقة، فهذه النوعية من الزمالة تزداد رسوخًا، وتجذرا مع الزمن، لاسيما وان المصاعب والتحديات، التي تعترض طريق استمرار العلاقة، بمثابة الامتحان الحقيقي، لاكتشاف المعادن الثمينة من المعادن الرخيصة، ”عند الامتحان يكرم المرء او يهان“، وبالتالي فان السقوط في الامتحان، يكشف نوعية تلك العلاقة، فإذا كانت انتهازية فانها سرعان ما تنكشف، من خلال بعض المواقف المخجلة، فيما تكون حقيقية عندما تظهر المواقف الرجولية، بالثبات في الميدان حتى الرمق الاخير.
يتحمل الانسان مسؤولية الاختيار، فالمرء بما يمتلك من تجارب، وقدرة على اكتشاف الصالح من الطالح، بامكانه تحديد الشخصيات القادرة على العطاء، والتضحية في سبيل الابقاء على حبال المودة والالفة، خصوصا وان المشتركات الثقافية، تمثل مدخلا رئيسيا، في تشكيل النواة لحقيقة لولادة زمالة قادرة، على مواجهة الصعاب، وتحدي الرياح العاتية، لاسيما وان جذور شجرة الزمالة، بامكانها الثبات حتى النهاية، مما يعني ان الحديث عن الزمالة الانتهازية، ليس واردا في هكذا علاقة، مستندة على مشتركات، وثوابت حقيقية، وليست مرحلية.