كيف يتحقق الإصلاح المنشود للأمة؟ «1 - 2»
لا يزال الحديث عن الإصلاح والاجتهاد والتجديد في فكرنا العربي الإسلامي، حديث الأمة منذ أكثر من قرن، والأمر الباعث على هذا الطرح من الكثير من المفكرين والعلماء، مبعثه عندما تعّرف بعض من هؤلاء على ما تحقق في الغرب من نهوض وتقدم، وشاهدوا الفارق الكبير بيننا وبينهم، فحدث ما سمّي بصدمة تقدم الغرب، مقارنة بوضع المسلمين وتخلفهم، فتحدثت الكثير من هذه النخب الفكرية، عن أهمية الإصلاح، والبعض عن ضرورة الاجتهاد والتجديد.
لكن البعض نظر نظرة توجس وتخّوف من كلمة الإصلاح والتجديد، وتم تفسيرها مغايراً، بأن المقصود إصلاح الإسلام ليتوافق مع ما فعله في تراثه الفكري، لكن الأمر ليس كذلك عند الحركة الإصلاحيّة الإسلاميّة، فالإصلاح المقصود هو إصلاح إفهامنا للدين ورؤيتنا لمفاهيمه ومقاصده العامة وليس لتغيير ما هو ثابت وقطعي في الدين، وهذا في الأصل مبدأ قرآني قال تعالى «وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىَ مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ.».
وفي كتابه المعروف «من التراث إلى الاجتهاد.. الفكر الإسلامي وقضايا الإصلاح والتجديد»، تحدث المفكر السعودي الأستاذ زكي الميلاد عن هذا الجانب المهم في مسيرة الفكر الإسلامي، وأعطاه حيزاً كبيراً وشاملاً في هذه القضية المهمة في الإصلاح والتجديد.. وقال في مقدمة هذا الكتاب أنّه تتبع أزمنة فكرية تنتمي إلى أربعة عصور أو مراحل تاريخية. زمن ينتمي إلى العصر الوسيط، وزمن إلى العصر الحديث، وزمن ينتمي إلى ما بعد قيام الدولة العربية الحديثة في النصف الثاني من القرن العشرين، وزمن ينتمي إلى تحولات العقدين الأخيرين من القرن العشرين.. فتحدث الأستاذ الميلاد عن مسيرة الفكر الإسلامي في العصر الوسيط «من الغزالي إلى ابن تيمية»، و«جمال الدين الأفغاني وتطور الفكر الإسلامي الحديث»، وعن «الشيخ محمد عبده وإصلاح الفكر الإسلامي».
وتحدث الأستاذ الميلاد أيضا عن بقية المفكرين والعلماء المعاصرين الذين طرحوا قضية الإصلاح والاجتهاد، من أمثال عبد الرحمن الكواكبي، ومحمد رشيد رضا، ومحمد باقر الصدر، ومرتضى المطهري، ومحمد مهدي شمس الدين، وقد أبرز أفكارهم ورؤيتهم الإصلاحية، ثم طرح الكاتب رأيه النقدي من خلال «الملاحظات والاستنتاجات» على كتاباتهم، في كل فكرة بسطها المفكر أو العالم عن إصلاح وتجديد الفكر الإسلامي.
وفي «إشكالية التراث بين المعرفة والمنهج»، يرى المفكر زكي الميلاد، أن القيمة المعرفية الأساسية للتراث إسلامياً تتحدد من جانبين، من حيث العلاقة بالدين كوحي وكإطار مرجعي لهذا التراث، والجهة الأخرى ”علاقة التراث بالحضارة، التي نهض بها المسلمون، وشهد لها العالم بالتقدم والتمدن. فالتراث الإسلامي تراث حضارة لها عبقريتها وابتكاراتها واكتشافاتها التي استفادت وتعلمت منها البشرية، بما في ذلك حضارة الغرب المعاصرة، بشهادة علمائها ومفكريها ومستشرفيها“.
ويرى المؤلف أن النظرة للتراث، بقيت لفترة متأرجحة في الواقع العربي الإسلامي، بين تيارات فكرية معاصرة، فمن تأثر بالغرب، فانّه طلب القطيعة معه تمامًا، ويرى أنّ التقدم في أنّ نحذو حذو ما فعله الغرب مع تراثه، وبين من يرى أن نأخذ من التراث ما يفيدنا من حيث النظرة والمراجعة الواقعيّة باعتباره تاريخاً مهما في مسيرة الحضارة العربية الإسلامية فالتراث - كما يرى الأستاذ الميلاد - ”الذي قدمته الخطابات العربية كنوع من الأضحية أمام صنم الحداثة ومعبدها الساحر، يتحول في زمن تاريخي مختلف إلى قضية فكرية كبرى، يستحوذ على أوسع الاهتمامات والاشتغالات البحثية والدراسية والتنقيبية، وكأنه تعويض وإحساس بالتقصير، أو ما يشبه عودة الابن الضال إلى أصوله“.
وأشار الأستاذ الميلاد إلى أنّ هذه العودة للتراث، جاء تحليلها من بعض المفكرين والمثقفين، وفق توجههم الفكري لتفسير العودة للتراث، ولذلك تتعددت الآراء حول النظرة لهذا التراث، وفق تقسيمات وتصنيفات فكرية، ف ”هل هو صدمة التراث الذي عبّر عنه زكي نجيب محمود في مقدمة كتابه «تجديد الفكر العربي»؟ أم أنّ الأمر يتعلق كما يصفه الجابري بردة فكرية في ذهنيات البعض؟ أم هو ظاهرة مرضية ينعتها طرابيشي بعصاب جامعي أصاب المثقفين العرب بعد هزيمة 1967م، فارتدوا ناكصين إلى الوراء؛ حيث كان التراث ملجأهم كما يذهب إلى ذلك في كتابه «المثقفون العرب والتراث»“.
ومع كل هذه الرؤى المختلفة في الرؤية للتراث، والنظرة إليه وتقييمه، لكنها ”أجمعت الخطابات العربية المعاصرة على ضرورة قراءة التراث ومراجعته واكتشافه، لأغراض وحاجات كانت في الأغلب توظيفية وإسقاطية أكثر من كونها معرفية وموضوعية، نتيجة المنطلقات الأيديولوجية الضاغطة والمهيمنة على تلك الخطابات، فقد حاولت بعضها أن تفتش لنفسها عن جذور ترتبط وتتقوى بها، وترفع عنها غربتها، ولكي لا يكون تغريدها خارج السرب“.