معاهد للموسيقى والمسرح
نشرت جريدة الحياة في عددها لهذا اليوم الثلاثاء مقالاً جميلاً للاستاذ سلطان البازعي بعنوان «”التينور“ عنترةبن شداد و”السوبرانو“ عبلة بنت مالك» يتحدث فيه عن أوبرا عنترة وعبلة التي عرضت في الاسبوع الماضي على مسرح جامعة الأميرة نورة بالرياض.
وللمقال قيمته الموضوعية كونه صادر عن مثقف ذي صلة كبيرة بالفن بحكم رئاسته السابقة لجمعية الفنون، وعلى اضطلاع واسع بشتى انواع الفنون بما في ذلك الفن الغنائي والمسرحي. وهو يثني في مقاله المذكور على هذا العمل الراقي الذي قدم باللغة العربية، وهذه ميزة كبيرة لجمهور اغلبه لم يعتاد على حضور أعمالاً أوبراوية من قبل، وحتى من حضر من قبل، ربما كانت هذه الأوبرا أول مرة يحضر فيها أوبرا باللغة العربية.
تعد الأوبرا والباليه والسموفينيات الكلاسيكية من الاعمال الفنية الراقية، التي يتهافت على حضورها جمهور نخبوي، وذلك لعدة اسباب. «قد لا يكون هذا التقديم لمقال الاستاذ سلطان المكان المناسب له». ومع كل ذلك فأن الجمهور السعودي الذي سنحت له الفرصة لحضور هذه الأوبرا لأول مرة تفاعل معها بمستو يدل على تعطش الناس لهذا النوع من الفن الذي حُرم منه كل هذا العمر، وأن الشعب السعودي ليس شعباً قاصراً في حاجته ورغبته للاستمتاع بفن راق على جميع الاصعدة.
من ناحية ثانية اعلنت الهيئة العامة للترفيه عن تخصيص مليارات الريالات لاقامة داراً «مسرحاً» للأوبرا.. وهذا ما سيهيئ مستقبلاً - بعد انجازه - لاستضافة مزيداً من مثل هذه الاعمال الفنية. لا جدال على ان الفن ليس حكراً على شعب دون آخر، وانه عمل انساني عالمي متخطي الحدود. وهذا ما يجعله قابلاً للعرض على اي مسرح تتوفر فيه الإمكانيات التقنية، وبالتالي فأن دار أوبرا الرياض القادمة ستكون قادرة على استقبال الفرق الفنية من مختلف العالم. وقد سمعنا انه من ضمن الاتفاقيات الثقافية التي وقعت بين المملكة وروسيا، ان المسارح والفرق الروسية ذات الباع الكبير في هذه الأنواع من الفنون ستقدم عروضا مختلفة للجمهور السعودي في عدة مدن سعودية.
في معظم دول العالم التي يوجد بها دور أوبرا يوجد ايضاً فرق محلية تقدم عروضها على مسارحها الوطنية. هذه الفرق لم تولد من فراغ ولا من هواة اجتهدوا وتعلموا العزف أو الغناء بالاعتماد فقط على انفسهم أو بمساعدة فنان آخر سبقهم في التعلم، وانما لأنهم تعلموا في مدارس ومعاهد عليا تُدرس فيها الموسيقى والغناء بجميع أصنافها. وكادرها التعليمي من الممكن ان يكون محليين أو من خارج البلاد، كما فعلت على سبيل المثال الكويت حينما شيدت في الستينات من القرن الماضي معهداً مسرحياً وكان كادره التعليمي من مصر ومن بلدان أخرى. اقامة مثل هذه المعاهد خطوة أساسية وضرورية لابد من ان نخطوها كي يكون لنا مستقبلاً فرقنا الموسيقية والمسرحية وفنانينا من كلا الجنسين الذين يمكنهم ان يقدموا لنا فناً وطنياً يمكنه ان يرتقي لمستو عالي بالتعلم والممارسة. ويا حبذا لو ان يكون هناك تنسيق بين وزارتي التعليم والثقافة وهيئة الترفيه على تبني خطة طريق لغرض اقامة مثل هذه المراكز التعليمية. كما اننا وكما قمنا بارسال ابناءنا وبناتنا لخارج المملكة للدراسة والتخصص في مختلف العلوم، يمكننا ان نخطو بنفس الاتجاه لابتعاث ابناءنا وبناتنا ممن لديهم الموهبة والرغبة لدراسة الموسيقى والمسرح في البلدان التي تعد متقدمة في هذا المضمار، ولديهم الخبرات والامكانيات لهذا النوع من التعليم. ختاماً يجدر القول اننا أبتعثنا في الستينات من القرن الماضي طلاباً لدراسة الفن التشكيلي في إيطاليا، ولكن تم التوقف عن ذلك بسبب هيمنة عقلية تحريم الفن على مقرري الثقافة والتعليم. اما الآن فقد آن الاوان كي نخرج من هذا الحصار الفكري الظلامي الى آفاق إنسانية جديدة تحلق بين أرجاءه أصوات الموسيقى وغناء " التينور والسوبرانو"..