قراءة في الهوية الرسالية للعلامة الفضلي قدس سره للدكتور الشيخ محمد مدن عُمير
قراءة في كتاب ملامح رسالية
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد رب العالمين، وسلام على عباده الذين اصطفى.
من لطف الله سبحانه وتعالى على بني آدم أن أرسل إليهم الأنبياء والرسل على مر العصور، وجعل في كل أمة أوصياء وأولياء وصالحين. وقد اهتم القرآن الكريم بسرد قصص الأنبياء والأوصياء والأولياء والصالحين وذكر نماذج متعددة من حياتهم. ولكل شخصية منهم منهج سار عليه فأوصله إلى الكمالات الإنسانية. فكانوا هم القدوة لمن عاصرهم أو أتى من بعدهم، حيث اقتدوا بهم وساروا على نهجهم، قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾[1] ، ولهذا لمن أراد أن يتبع منهجًا معينا في حياته ينبغي عليه أن يتعرف على الشخصيات المؤثرة واللامعة في ذلك المنهج لكي يسير على نهجهم ومن ثم يصل إلى هدفه بيسر وسهولة. ولذلك أكد الباري عز وجل على ذلك، فبيّن أهمية التأسي بالرسول الأكرم ﷺ لكونه أفضل الخلق الواصلين إلى الكمالات، قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ﴾[2] ، وأمر بالاقتداء بالأنبياء والرسل بشكل عام، حيث قال عز وجل: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ﴾[3] .
ولا شك أنّ العلماء هم ورثة الرسل والأنبياء والأوصياء الذين حذوا حذوهم وتخلقوا بأخلاقهم، وكان لمدادهم الأثر الكبير في توجيه المجتمع وإرشادهم إلى طريق الحق، وقد جاء في الحديث الشريف عن الإمام الصادق أنه قال: ﴿إذا كان يوم القيامة جمع الله عز وجل الناس في صعيد واحد ووضعت الموازين فيوزن دماء الشهداء مع مداد العلماء فيرجح مداد العلماء على دماء الشهداء﴾[4] . ومن علمائنا العاملين الذين كان لهم دور كبير في إعلاء كلمة الله عز وجل، وقاموا بدور كبير في توجيه المجتمع والارتقاء به إلى الكمالات في العالم الإسلامي عامة وفي منطقة الخليج خاصة وهو العلامة الشيخ عبد الهادي الفضلي رضوان الله تعالى عليه «1354 هـ - 1434 هـ »، حيث كانت له ريادة ملموسة في كثير من الجوانب الدينية والعلمية والثقافية والاجتماعية والإنسانية.
وقد صدر حديثًا كتاب بعنوان: «ملامح رسالية: قراءة في الهوية الرسالية للعلامة الفضلي قدس سره»، يتناول فيه الكاتب عدة جوانب إنسانية ورسالية في شخصية العلامة الشيخ عبد الهادي الفضلي رضوان الله تعالى عليه. وهذا الكتاب من تأليف الشيخ الدكتور محمد مدن عُمير. والكتاب يضم عدة مقالات كتبها الدكتور عُمير عن أستاذه الفضلي في عدة مناسبات وفي موضوعات مختلفة، وارتأى جمعها في هذا الكتاب الذي بين أيدينا. والمقالات التي وردت في الكتاب هي: «1» بنية الخطاب الثقافي الشفاهي عند العلامة الفضلي؛ «2» جمالية الخط: قراءة تحليلية موجزة في خط العلامة الفضلي؛ «3» دور العلامة الفضلي في حماية العقيدة؛ «4» قراءة في محاولات التجديد في المناهج الحوزوية بين الشهيد الصدر والدكتور الفضلي؛ وأخيرًا «5» الأسلوب البحثي المقارن في بحوث العلامة الفضلي.
ومن خلال نظرة أولية على عناوين المقالات المختارة يتبين مدى عناية المؤلف واهتمامه بتراث العلامة الفضلي رضوان الله تعالى عليه. وقد ذكر المؤلف في هذه المقالات كثيرًا من الجوانب الجمالية والخصائص المميزة التي اتصف بها هذا العالم الجليل، وقد وُفق المؤلف غاية التوفيق في اختيار عناوين المقالات، واستعراض المادة العلمية لكل مقالة. وذكر عددة مطالب تتعلق بشخصيته الكريمة، يمكن أن يستفيد منها العلماء وطلبة العلوم الدينية والباحثون والمثثقفون. وقد قرأت الكتاب وأعجبت بالأسلوب الجديد الذي استخدمه المؤلف في قراءة تراث العلامة الفضلي، بحيث سلط الضوء على جوانب إنسانية ورسالية اتصف بها العلامة الفضلي.
- الكتاب: ملامح رسالية: قراءة في الهوية الرسالية للعلامة الفضلي قدس سره
- تأليف: الشيخ الدكتور محمد مدن عُمير.
- الطبعة: الطبعة الأولى 1439 هـ / 2018م
- الناشر: مداد للثقافة والإعلام: البحرين.
- الصفحات: 118 صفحة من القطع الصغير
في هذه القراءة سوف أستعرض مقالات الدكتور عُمير بشيء من الإيجاز للتعرف على رسالية وإنسانية العلامة الفضلي في كثير من شؤونه كما قرأها المؤلف. وفي الخاتمة سوف أدون رأيي في الكتاب وموضوعاته ولغته.
في هذا المقال تحدث الدكتور عُمير عن بنية الخطاب الثقافي الشفاهي عند العلامة الفضلي من خلال استماعه لعدد من المحاضرات الدينية والثقافية «25 محاضرة» التي ألقاها العلامة الفضلي في حسينية الناصر في مدينة سيهات شرق المملكة العربية السعودية، في شهر رمضان المبارك لعدة سنوات متتالية. ومن خلال قراءته توصل إلى أن خطاب العلامة الفضلي اتسم بعدة مميزات وهي: علمية الفكرة، ووضوح الفكرة، والهيمنة الروحية، والانتاجية، والفخامة الصوتية، والأصالة والمعاصرة.
لقد أثار الدكتور عُمير شجوني وحنيني لتلك الأيام التي قضيناها تحت منبر العلامة الفضلي سواء في المحاضرات والندوات أو في مجلسه المبارك. لقد وفق الدكتور عُمير في استنطاق شخصية العلامة الفضلي من خلال وصفه وتحليله لأسلوبه الخطابي، شعرت عند قراءتي لتحليله وكأني أشاهد أو أستمع إلى العلامة الفضلي.
وفي هذا المقال تحدث الشيخ محمد عن جمالية الخط؛ قراءة تحليلية موجزة في خط العلامة الفضلي. حيث استعرض بعض النماذج لخط قلم العلامة الفضلي في أيام شبابه وفي أيام هرمه. وقد بين بالتحليل أن خط قلمه المبارك وخواصه متشابهة، إلا في موارد قليلة بسبب السرعة أو بسبب مراعاة حددود الصفحة المرسومة أو بعض العوارض المزاجية.
ومن الملاحظ أن العلامة الفضلي يكتب في ورق خاص مخطط طولا وعرضا، «كنا نسميه ورق حجازي، نستخدمه في المدرسة للاختبارات». وقد أهداني العلامة الفضلي صورة من كتابين مخطوطين بيده المباركة، وهما: رسالة في الخمس وكتاب قراءة في كتاب التوحيد. وكانا مكتوبين على «الورق الحجازي»،
وتشرفت بتقديمه لكتاب ”نهج الرسالة في الحج والزيارة“، وهو كتاب وصف ميداني للأماكن المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة ويشتمل أيضا على بعض الأدعية والزيارات. ويُقدم الكتاب هدية لحجاج حملة الرسالة منذ 1419 هـ .
لقد أبلى العلامة الفضلي بلاء حسنًا في دفاعه عن الإسلام والذب عنه من خلال كتب ومقالات ومحاضرات كثيرة، منذ أن كان شابا يافعا إلى قبيل رحيله إلى الرفيق الأعلى. وهو في جهاد مستمر لحماية العقيدة وتبيانها. وقد سلط الدكتور عُمير الضوء على هذا الجانب في مقاله الموسوم ب: دور العلامة الفضلي في حماية العقيدة. واستعرض عدة عناوين من كتبه التي تناول فيها هذا الدور.
تكلم الشيخ عُمير في هذا المقال عن دور الشهيد الصدر والشيخ الفضلي في تطوير المناهج الحوزوية. وقد كان الشيخ الفضلي رائدًا في هذا المجال حيث أنجز منهجًا متكاملا للدروس الحوزوية؛ لجميع المراحل الحوزوية: المقدمات والسطوح والبحث الخارج.
وفي المقال الأخير تكلم المؤلف عن الأسلوب البحثي المقارن في بحوث العلامة الفضلي. حيث قال الدكتور عُمير: عند مراجعة تراث العلامة الفضلي رضوان الله تعالى عليه، يجد الباحث أن أسلوب «الموازنة» وتطبيق المنهج العلمي في «علم الخلاف» يمثلان ظاهرة علمية فريدة. حيث أصبح أسلوبه البحثي المقارن سمة بارزة في معظم بحوثه وكتبه.
ختاما لا يسعني إلا أن أشيد بهذا الكتاب الرائع، وأبدي إعجابي بما احتوى من مقالات قيمة، وجديدة في الطرح والأسلوب. حيث قام الدكتور عُمير في تسليط الضوء على جوانب عدة من نتاج العلامة الفضلي الفكري، وباستخدام أدوات جديدة في إبراز الجوانب الرسالية والإنسانية في حياته المليئة بالعطاء والإنتاجية.
يمتلك الكاتب قلمًا رشيقا، وأسلوبا مشوقا في القراءة. حقيقة استمتعت بقراءة الكتاب. فشكرا للكاتب، وشكرا للعالم الفذ الكبير العلامة الفضلي رضوان الله تعالى عليه على ما أسهم به من علم وفكر للإرتقاء بوعي الأمة. رحمه الله رحمة الأبرار وأسكنه فسيح جناته مع محمد وآله الأخيار.