المتطوعون الجدد وآفاق الفعاليات
تبرز في مجتمعنا مجدداً ظاهرة جميلة جديرة بالاهتمام والدراسة، وهي رغبة وتوجه الشباب من الجنسين للتطوع والعمل التطوعي. وقد ساهمت عوامل عديدة في عودة هذه الظاهرة لواجهة الواقع الاجتماعي بعد أن كادت تضمر مؤخراً، ومنها: الفرص التي تفرزها حالة التحول العام التي يعيشها المجتمع نظراً للتغيرات المحيطة بمختلف أنواعها بما يرافقها من دعم رسمي ومؤسساتي وأهلي متزايد للعمل التطوعي، وبلوغ الكثير من مشاريع وطواقم العمل التطوعي لمرحلة الشيخوخة وحاجتها للريادة والتجديد من قبل الشباب.
والملاحظ أن من أهم ميزات ما برز من أعمال وفعاليات تطوعيّة خلال هذه الفترة هي: القدرة على استقطاب أعداد ليست بالقليلة من المتطوعين ”الجدد“ غير المنخرطين مسبقاً في مؤسسات تطوعية معروفة في المجتمع، واستهدافها لجماهير واسعة من المجتمع، وهتين الميزتين تفتقدهما الكثير من المشاريع التطوعية والاجتماعية والخيرية سابقاً وحاضراً.
من جهة أخرى، فإن الملاحظ أيضاً أن كثيراً من هذه الفعاليات والمناشط هي سطحية في عمقها وأثرها.
كما أننا نجد أحياناً أن عشرات أو مئات ”المتطوعين“ ينفذون مجاناً واجبات جهات خدمية ”غير تطوعية“ أو حتى مشاريع ومهرجانات لجهات ”تجارية“! بينما الأَولى هو توجه هذه الطاقات ”التطوعية“ لمواضع الحاجات الأخرى للمجتمع التي لا تغطيها هذه الجهات.
وتعود الميزات الإيجابية للفعاليات الجديدة لأسباب عديدة لا تتوافر في المؤسسات التي تفتقر لهذه الميزات غالباً، وأهمها هو بساطة هذه الفعاليات من حيث المهارات والمعرفة المطلوبة في القائمين بها مما يجعلها تخرج من دائرة النخبة لبحر جماهير المجتمع؛ متطوعين وشركاء وداعمين وحضوراً.
كما أن حداثة هذه الفعاليات والنشاطات وعدم نضجها غالباًكمؤسسات لها مسارات وأولويات مرسومة وخطط بعيدة المدى - كونها مشاريع لا تزال وليدة وغضّة طريّة - تعطي هؤلاء الشباب والفتيات مرونة كبيرة في تطوير وتغيير مسارات فعالياتهم لتواكب التغيرات والمستجدات بشكل أسرع. إضافة لعامل الاندفاع الذاتي الذي يكون عالياً في بداية الأعمال التطوعية الوليدة.
وبالطبع، فإن هذه الخصائص والميزات المرتبطة بها كما أنها تشكل فرصاً ذهبية إذا ما استثمرت بشكل صحيح، هي أيضاً قد تشكل مخاطر كبيرة في كثير من الحالات على مسار وآثار واستقلالواستمرارية هذه الفعاليات إذا لم تتطور تدريجيّاً وحسب الحاجة.
أما على صعيد تطوير هذه الأعمال التطوعية وتعزيز أهميتهاوآثارها، فإن محور ذلك هو التحول من الأعمال السطحية إلى الجوهرية، ومن أشكال ذلك هو التوسع أو التحول من العناية بالبنيان والعمران والترفيه حصراً، لصناعة الإنسان والعناية به فكراً وروحاً وسلوكاً ومهارات.
إن صناعة الإنسان والعناية به - حتى عبر الفعاليات البسيطة وغير النخبوية - هي مهام لا يمكن إيكالها لشركات أو جهات غريبة عن المجتمع بالسهولة التي يمكن بها إيكال المهام الأخرى لتلك الجهات من قبيل تنظيف وطلاء الأماكن العامة وما أشبه، وبالتالي فإنه يجب أن لها أولوية أكبر عند المهتمين بالعمل التطوعي من هذا الجانب.
وهنا لا ندعو بالضرورة للتخلي عن هذه الأعمال كليّاً، بل للبناء عليها والانطلاق منها لما هو أوسع وأرحب، فالمتطوع الذي يصرف الساعات والأيام من وقته في هذه الفعاليات، لماذا يُحدُّ عطاؤه الجمعي عند هذا الأفق؟ ولماذا لا تتوجه هذه الأعداد من المتطوعين لأعمال أخرى في فترات الفراغ بين فعالية وأخرى؟!
ويمكن التدرج بالتوسع أو التحول لفعاليات أكثر أهمية وإلحاحاً في ذات المجالات والدائرة المنخرط فيها هؤلاء المتطوعون حالياً، ويمكن أن تعطى الأولوية لقسمين من المشاريع والفعاليات:
القسم الأول: تأسيس مشاريع وفعاليات غائبة عندنا تماماً، كمجموعات أصدقاء المرضى والمسنين، والمجموعات التي تجمع من يتشاركون في تجارب معينة - والذي يرغبون عادة في نفع الآخرين لتفادي أو تعزيز هذه التجارب في حياتهم - مثل: ضحايا الحوادث المرورية والمنزلية وغيرها أو الناجون منها أو الناجحون بعد تجارب فاشلة، وفعاليات الأيام العالمية كيوم: الأم، الطفل، الأسرة، الشباب، الصداقة، البيئة، العمل الخيري، المتطوعين، وغير ذلك الكثير.
القسم الثاني: دعم الأعمال القائمة التي تعاني من النقص الحادفي الطاقم والموارد، كترميم وصيانة وطلاء منازل الفقراء والمتعففين، والفعاليات الموجهة للأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة، وغير ذلك.