آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

ثقافة التصادم

محمد أحمد التاروتي *

التصادم يعتبر وسيلة لقهر الاخر، وإجباره على رفع الراية البيضاء، لاسيما وان مبدأ تقاسم النفوذ، ليس موجودا لدى بعض الاطراف، مما يدفعها للتحرك باتجاه افتعال الأزمات، لدفع الطرف المقابل على اتخاذ مواقف مضادة، الامر الذي يولد شرارة المواجهة المباشرة، وبالتالي إيجاد المبررات لاستخدام مختلف الأساليب، للقضاء على الخصم وانهاءوجوده في الساحة، مما يعني الاستفراد بالساحة دون منازع.

المواجهة المباشرة، ليست شرا مطلقا، ولكنها ليس الوسيلة المثلى على الدوام، فهناك أزمات تتطلب التروي، وانتهاج الطرق الدبلوماسية، والمنهج السلمي، لنزع فتيل التصادم المباشر، لاسيما وان التداعيات المترتبة على المواجهة المسلحة كبيرة، فضلا عن النتائج السلبية، على مختلف الاصعدة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، مما يضع الجميع امام نتائج كارثية، فالدخول في المواجهة المباشرة التي تحمل معها شروخا كبيرة في الجدار الاجتماعي، خصوصا وان كل طرف سيلجأ لمبدأ التحشيد، لمناصرية لاستدامة المواجهة، وعدم الخروج بهزيمة ماحقة، وبالتالي فان إطلاق شرارة المواجهة، لا يعني القدرة على تطويقها، وإنهائها بسهولة، لاسيما وان المواجهات تتجاوز المساحة الجغرافية الضيقة، وتقفز على الاطراف الرئيسيّة، لتشمل شرائح اجتماعية واسعة.

على النقض يمثل التصادم الوسيلة المناسبة، خصوصا وان الطرف الاخر، يرفض جميع الحلول السلمية، ويتعامل بمبدأ القوة، مما يحتم الدول في المواجهة المباشرة، من اجل ردع الطرف الاخر، ودفعه باتجاه وضع الحسابات الدقيقة، قبل التفكير في اتخاذ خطوات متهورة، اذ تتعامل بعض الاطراف مع الاخرين بطريقة عنيفة، لا تمت بالمنطق بصلة، مما يفرض التعاطي معها بذات الأسلوب، فهناك شرائح لا تعترف الا بالقوي، وتضع الف حساب قبل التفكير تصادم مباشر، وبالتالي فان التصادم يمثل وسيلة لحفظ الكرامة، والحفاظ على المكتسبات، لاسيما وان البعض يتحرك للاستيلاء على مقدرات الاخرين، بالقوة دون الالتفات للطرق المشروعة، او غير المشروعة، فالمبدأ الذي يعتمده يقوم على فرض الارادة، على الاخرين بالقوة.

التصادم مرهون بالظرف الزماني والمكاني، بمعنى اخر، فان التحرك باتجاه تكريس التصادم في المجتمع، مرتبط بمدى الاستعداد، والقدرة على المواجهة الشاملة، لاسيما وان التصادم يستدعي وضع جميع الخيارات، تفاديا للوقوع في فخ الطرف الاخر، فالدخول في المواجهة دون دراسة جميع الظروف، ومدى قبول البيئة الاجتماعية، بمثابة انتحار اجتماعي او سياسي، وبالتالي فان التريث ودراسة الوقت المناسب، يمثل مصدرا للقوة، وليس دليل الخوف، لاسيما وان اتخاذ الحكمة في مختلف القضايا، امر مطلوب لتفادي الهزيمة، وتحقيق النصر على الطرف المقابل.

ثقافة التصادم، تمثل الخيار الاستراتيجي، لبعض الاطراف الاجتماعية، من اجل انتهاج مبدأ القوة، ورفض جميع الدعوات الساعية، لتكريس الحلول السلمية، فالشعور بالقوة، وامتلاك النفوذ الاجتماعي او السياسي، يدفعه باتجاه قهر الاخرين، في سبيل البقاء في الساحة، وبالتالي فان دعوات التعاون، وعدم الأضرار بالسلم الاجتماعي، لا تمثل سوى ترف ثقافي، ناجم عن الضعف، وعدم القدرة على المواجهة.

كاتب صحفي