طعام أمي «أَزْكَى طَعَامًا»
كانت مسجاة في الفراش وحولها الكثير من الأطباء، شخّص بعضهم مرضها بغيبوبة سكر مما أثار قلق أولادها الشاخصة أبصارهم نحو جيش الأطباء، ونحو المجهول المرتقب الذي سوف يقررونه. على أثر ذلك نُقلت للعناية الفائقة، يبدو أن تحسنها كان بطيئا جدا وحالتها الصحية في تدهور لقد كانت تحت العناية الإلهية. يحرسها الظلام وتحذوها الأحزان. تقاطرت دموع أولادها خلف نوافذ الأمل، وغابت بسمتهم خلف جبال الألم لكن ظل الله تعالى يرقبها ويهب لها الحياة فقد شاءت قدرته تعالى أن تحطّ طائرة ابنها المبتعث وتحلق قدماه نحو المشفى وسرعان ما مثل أمامها، خاطبها بحب:
أماه لم أحضر من سفري كي أراك نائمة هنا، أردتُ أن تستقبليني كعادتك حرة طليقة من جميع تلك القيود التي أحاطت بك وكممت فمك.
أماه: استيقظي لم أعهدك تنامين وصوت الأذان يملأ جنبات الكون، كنت تغضبين مني تريدين الصلاة في وقتها ولاغير وقتها.
أماه: لاتحرميني فرحة اللقاء، مثقل أنا بالحنين لأحضانك، وهامت روحي شوقا تلتقط أنفاسك العطرة.
ما أن أنهى ابنها الحبيب حديثه حتى بدأت يداها تداعب خصلات شعره وهي تخاطبه قائلة:
طَعَام أمك ”أزكى طعاما“ يقرع طبول عودتك الحميدة. سنذهب سويا للمنزل وتنعم قرير العين بأمك.
ابني الحبيب: أطلت الغياب وتقرّح الفؤاد شوقا لك.
بني لقد أحسنت الإقامة في قلب أمك فهو اليوم يشعر بذلك البوح المؤلم الذي ترجمته مشاعرك المثخنة بالشوق.
لقد خلعتُ رداء المرض، ولبستُ لباس حبك ألبسني صوتك الشجي ألف عافية ودثرتني عودتك بالأمان.
إن الإدراك الحسي في عالم الخوارق يجعلنا نشعر بألم الآخر حتى وإن بعدنا عنه. تنتفض ذاكرتنا لسماع صوت المحبين فيشرق ذلك الجسد بنور أحبته.
توجهوا لمرضاكم، وأحيطوهم بعنايتكم الملهمة لهم بالشفاء. فالمريض بحاجة لصوت يحبه وإن غاب عن الوعي، بحاجة لِيَد حانية تربت على كتفيه وتمسح على شعره ليعاود النهوض من جديد.
وهنيئا لمن أخلص في حب من حوله فكانت يداه سببا لشفاء مريض أو تفريج كربة أخ أو معاونة صديق.
يقول الدكتور ''يوتام باسترناك'': ”إن المثيرات البيئية المختلفة تنعكس على دماغ المصابين بالغيبوبة في شكل إشارات تتراوح بين الشدة والضعف تبعاً لقيمة المؤثر العاطفي“.
حفظ الله لنا أحبة غيبهم المرض عن منازلهم، وبقوا تحت رحمة الله ينفض عنهم غبار آلامهم.