أنصاف الحلول
تعتبر انصاف الحلول اسلوبا متبعا، في المفاوضات
السياسية، كون العلاقات السياسية تعتمد مبدأ ”فن الممكن“، فكل طرف يتحرك وفق قاعدة عدم التعرض للهزيمة، مما يدفع كافة الاطراف المتصارعة، للقبول بنصف انتصار، او نصف هزيمة، بمعنى اخر، ان جميع توافق على تقاسم الهزيمة، وتوزيع الانتصار، في الملفات الخلافية، بحيث يشكل الاتفاق انتصارا، من وجهة كل طرف، جراء انتزاع كل طرف، تنازلات من الطرف الاخر.
الخلافات الثقافية، ترفض في الغالب أنصاف الحلول، فهذه النوعية من الصراعات ترفض اللون الرمادي، اذ لا توجد منطقة وسطى، في القضايا الثقافية المطروحة، في الصالونات النخبوية، بمعنى اخر، فان التنازل للطرف الاخر، والقبول بالحلول التي يفرضها الطرف المقابل، يشكل هزيمة ماحقة للطرف الثاني، الامر الذي يفسر احتدام الصرعات الفكرية، بين النخب الثقافية لسنوات طويلة، نظرا لاقتناع كل طرف بصوابية الأفكار، والمبادئ، التي يقاتل من اجلها، فهناك خلافات فكرية تبقى مستعرة لاجيال عديدة، جراء وجود عناصر مستعدة، لمواصلة الدفاع عن تلك الأفكار، لسنوات طويلة.
الاقتناع بإنصاف الحلول، في القضايا الفكرية، يشكل منعطفا خطيرا، اذ سيكون بمثابة كتابة النهاية، لاسيما وان الملفات الثقافية، لا تحتمل التأويل والقسمة على اثنين، فكما ان هناك ألوانا بيضاء، فهناك ألوانا سوداء، اذ من الصعب اجتماع الضدان او المتناقضان، فإما سيطرة اللون الابيض، او هيمنة اللون الاسواد، مما يستدعي التوقف مليا امام الدعوات، التي تنادي بمحاولات تقريب وجهات النظر، المتناقضة في القضايا الفكرية، نظرا لخطورة مثل هذه الدعوات، على المبادئ السليمة والثابتة، فهناك مخاوف حقيقية من تعرض المبادئ السليمة للتشويه، تحت غطاء دعوات التقريب بين الاطراف المتصارعة.
الحلول المرحلية تعتبر احد الأساليب المتبعة، لدى بعض النخب الثقافي، فهذه النوعية من المفكرين، تعمل لتجميد الصراع، لحقبة زمنية قصيرة، كنوع من التقاط الانفاس، ومحاولة كسب الوقت، للدخول في جولة جديدة، من النقاشات الفكرية، في سبيل الانتصار للمبادئ التي تحملها، وبالتالي فان الحلول المرحلية ليست استسلاما، او الإعتراف بالهزيمة، في الصراع الوجودي، بقدر ما يمثل اقتناعا بضرورة التعاطي، مع الواقع وفقا للمعطيات على الارض، لاسيما وان بعض النخب الفكرية، تحاول الاستعانة بسلطة المال، واحيانا بالسلطة السياسية، في سبيل ترجيح كفة على اخرى، مما يمثل تحديا حقيقيا، على قدرة احد الاطراف، على السير قدما في المواجهة الحامية، بمعنى اخر، فان الهدف الاستراتيجي، يستدعي انتهاج حلولا تكتيكية، ومرحلية، تفاديا للتعرض لهزيمة كبرى، تنسف المشروع الفكري بشكل كامل.
الصراع الفكري القائم، على الأسس الثابتة، اكثر قدرة على الصمود، في وجه التيارات الثقافية الطارئة، نظرا لقدرة المبادئ الثابتة، على تزويد حملتها بالوقود اللازم، لتحمل تبعات الخلافات الثقافية، خصوصا وان بعض الخلافات تخرج من إطارها الفكري، والعلمي، لتتحول الى صراع سياسي، او وجودي، اذ ينظر كل طرف للاخر، باعتباره الخطر الحقيقي، على وجوده في الساحة الاجتماعية، مما يدفعه لاستخدام العديد من الأساليب غير المشروعة، من اجل تحقيق الانتصار، والبقاء في الساحة دون منازع.