آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 9:28 م

ثقافة التشويش

محمد أحمد التاروتي *

يلجأ البعض الى استخدام الصوت العالي، لمنع الاخر من ممارسة الحق، في نشر أفكاره في البيئة الاجتماعية، انطلاقا من مبدأ المساواة في الحقوق، وعدم سلب الطرف الاخر حريته، في التعبير عن القناعات الفكرية، لاسيما وان المحيط الاجتماعي، يشكل الساحة الطبيعية لطرح الافكار، بينما محاولة وأد الفكري المنافس، يعتبر تعديا صارخا، على الحقوق الطبيعية المشاعة للجميع.

استخدام التشويش، ومحاولة طمس الاّراء الاخرى، يمثل اعترافا ضمنيا بقوة الطرح لدى المنافس، وضحالة الفكر الذي يحمل اصحاب الصوت المرتفع، فالطرف الذي يمتلك الحجة القوية، والمنطق القوي القادر على مقارعة الافكار المضادة، لا يلجأ لاستعمال الأساليب الملتوية، نظرا لوجود قاعدة فكرية صلبة، قادرة على إلحاق الهزيمة بالافكار المقابلة، بمعنى اخرى، فان الإحساس بالهزيمة، والفشل في ايقاف المد القوي للفكر القادم، يدفع لانتهاج الأسلوب الضعيف، المعتمد على محاولة الصراخ، ومنع الفكر المقابل من الانتشار، بشكل الطبيعي، لاسيما وان التشويش يعتبر من الأساليب القادرة، على ادخال اليأس لدى الطرف الاخر، نظرا لاغلاق جميع المنابر الاعلامية، امام الوصول الى الجمهور بالشكل الطبيعي.

ثقافة التشويش، تنطلق من قناعات قائمة، على استخدام المنافسة غير المشروعة، في إدارة الصراع الفكري بين الفكري التجديدي، او التقليدي او بين النظرة التطويرية والنظرة الجامدة، حيث يبدأ كل طرف الدفاع عن قناعته، في البداية بالطرق الاعتيادية، دون صدام مباشرة، نظرا لقدرة احد الاطراف على التحشيد، واستخدام مختلف المنابر في تسفيه الطرف الاخر، بيد ان الامور سرعان ما تتطور الى اشتباك غير مباشر، وبعدها الى الاحتكاك المباشر، مما يولد إحساسا بالخطر، وضرورة التدخل السريع، لقطع الطريق امام الانتشار الكبير، للطرف المنافس، فالطرف المقابل استفاد من فتح الساحة، للتغلغل في المجتمع، بحيث سجل حضورا ملموسا، يصعب تجاهله، وبالتالي فان ممارسة التضييق، ومحاولة كسر شوكة المنافس، بات شر لا بد منه، من اجل الحفاظ على المكتسبات، والمزايا التي يمتلكها خلال الفترة الماضية.

التشويش يعتمد على أساليب مختلفة ومتعددة، فتارة تكون عبر تسخير الإمكانيات المادية، لشراء عناصر القوة، التي يستند عليها الطرف الاخر، من اجل ادخال اليأس في الطرف المنافس، نتيجة الانسحاب الكبير في الانصار، او العناصر الداعمة، الامر الذي يسهم في توجيه الضربة القاصمة، والموجعة، لاسيما وان سلاح المال من الأسلحة الفتاكة، التي تؤثر على الكثير من الشخصيات الفكرية، والنخب الثقافية.

بالاضافة لذلك، فان استخدام الاعلام، يمثل احدى الوسائل لممارسة التشويش، على الطرف المنافس، نظرا لقدرة الماكنة الاعلامية في تشكيل رأي عام، لسحب البساط من تحت اقدام الطرف المقابل، الامر الذي يفسر تخصيص الميزانيات الضخمة، للإنفاق على الماكنة الاعلامية، لما تمثله قوة كبرى، في حسم الكثير من الصراعات الفكرية، بمعنى اخر، فان الفشل في مقارعة الفكر بالفكر، يدفع لانتهاج الطريقة الأكثر تأثيرا، والمتمثّلة في سلاح الاعلام، لتسجيل الانتصار الساحق على المنافس.

ثقافة التشويش، تنم عن ضعف الطرف الممارس، فالقوي يستخدم الوسائل المشروعة، في الصراعات الثقافية، لاسيما وان الانتصار بالطرق الملتوية، يعتبر هزيمة في حد ذاتها

كاتب صحفي