لتبقى #فعالياتنا_طاهرة
إن مجتمعنا في واحتي القطيف والأحساء بقيَمِه المُحافِظة وثقافته العالية كان دائماً ولا يزال داعماً بل ورائداً للانفتاح السليم والتخلص من القيود المجحفة، وكون هذه المنطقة في طليعة المناطق المتبنية لتنفيذ هكذا مشاريع لهو من أكبر الدلائل على ذلك. وكانت ولا تزال النخبة المتدينة - بالمصطلح المتعارف عليه اجتماعيّاً - على وجه الخصوص في طليعة مؤسسي ومنفذي المشاريع والنشاطات والفعاليات الاجتماعية والخيرية والخدماتية للجنسين في المنطقة، كما كان شخص الكاتب منذ نعومة أظفاره من المشاركين والداعمين لهذه الفعاليات والمهرجانات.
فالانفتاح الصحي في مجتمعنا ليس محل مزايدة من أحد، ولم نكن يوماً طيلة تاريخنا الممتد مجتمعاً يعيش خارج إطار الحضارة والتمدن!
وعليه، فالحديث هنا ليس في أساس هذه الفعاليات أو الانفتاح - وإن كان بعضها قشريًاً لا ربط له بمعاني الانفتاح والتحرر -، وإنما في ضبط حركته لئلا يكون ”انفتاحاً متوحشاً“ يفتك بأجيالنا الشابة ويشوش مستقبلها بعد أن نجت من شبح الإرهاب الأسود الذي فتك بغيرنا وطالتنا مخالبه الآثمة في فعاليات الطهر والفضيلة وبيوت الله. فنحن هنا نريد فقط أن نبقي هذه الفعاليات نظيفة طاهرة من كل ما يعكر صفو وسلامة واستقرار وأخلاق مجتمعنا الكريم ونظامه العام من كل دنس لا يختلف عليه اثنان.
قد يتحسس البعض من أي نقد وإن كان إيجابيّاً لهذه المتغيرات ويظن أن ذلك من باب التشدد والانغلاق ورفض التحرر وغيرها من الشعارات التي يستخدمها بعض المتسلقين المتشدقين بالانفتاح المغلوط لتكميم أفواه الآخرين باسم الحرية والتحرر! وقد يظن آخرون أن هذا النقد هو تهويل لبعض الأخطاء. وقد يعتقد صنف ثالث أنه يجب أن يكون من الأولياء والصالحين ليعترض على ما ينكره ضميره وكل ضميرٍ سليم مما يتجاوز مسألة الصلاح الفردي ويكون ضرره جمعيّاً.
وأيّاً يكن من أمر، فإن خطورة ما وصلت له الأمور في فعاليات بعض المدن المحلية المجاورة - والتي يمثّل شباب وفتيات مجتمعنا نسبة كبيرة من جمهورها - وكذلك بروز بعض البوادر في بعض فعاليات مناطقنا، يحتّم علينا أن نكسر جدار الصمت وأن نتحلى بالصراحة والشجاعة في مناقشة هكذا ظواهر طارئة لئلا نقع في المحذور ولا ننتبه من غفلتنا إلا بعد فوات الأوان ولات حين مندم، فإن العقل والمنطق السليم يوجب على الإنسان وإن لم يأخذ منه المرض مأخذه أن يبتعد عن البيئة الملوثة وأن يذوق مرارة الدواء ليقي بدنه ويقوي مناعته درءاً للمخاطر والمفاسد.
أيها الأحبة، هل يختلف اثنان في مجتمعنا حول إنكار ترويج وتطبيع الشذوذ بين شبابنا وفتياتنا، بل وأمام مرأى ومسمع أطفالنا؟ ّ!
هذا ما حصل بالفعل في إحدى الفعاليات الضخمة في مدينة مجاورة عبر رفع علم الشواذ على قميص أحد منفذي العروض الترفيهية وسط صمت الجميع، بل إنه حظي بتصفيق الجمهور الغافل بعد نهاية فقرته!
كانت هذه افتتاحية العرض، أما خاتمته فقد كانت مع عارض آخر ارتدى ملابس نسائية لراقصة عارية، وهو إيحاء آخر لثقافة الشذوذ!
فهل أصبح هذا الأمر طبيعيّاً لا غضاضة فيه، وننتظر وصوله القريب لمجتمعنا تحت شعارات جميلة طالما انتظرناها؟!
هل يختلف مجتمعنا على رفض أن تتحول بعض الفعاليات لمهرجانات استعراض للإغراءات بين الجنسين - كما تحولت في أكثر من مدينة مجاورة ويحضرها أبناء وفتيات مجتمعنا بكثافة -؟!
هل هذا الاستنكار خاص بفئة معينة في المجتمع؟!
هل مقاومة هذه المظاهر تخلّ باتّزان المجتمع أم تعززه؟! هل تقوّم نشاطه أم تكبته؟!
هل يصحُّ لمختلف التيارات الاجتماعية والفكرية والدينية أن تتصارع على قضايا هي جزئية في أغلبها، وأن تلزم الصمت تجاه الممارسات المنبوذة؟! أم يجب أن تتخذ من التوعية في هذا المجال محوراً مشتركاً بين مختلف أطياف المجتمع؟!
لم تصل الفعاليات في مناطقنا لهذا المستوى المنحدر حتى الآن - ولله الحمد - ولن تصل بإذن الله بفضل وعي المجتمع وتمسكه بالقيم والأخلاق المتجذرة في هذه الأرض الطيبة وحكمة الكثيرين من القائمين على الفعاليات والمناشط ورحابة صدورهم في التعاطي مع محيطهم الاجتماعي.
ولكن لنعترف وبصراحة أن بعض فعالياتنا - بقصد أو بغير قصد - هي مشوبة ببعض الشوائب التي لا ينبغي الصمت إزاءها - مع مراعاة الرفق والحكمة وحفظ الكرامة - لكي لا تنمو ويخرج نباتها النكد ونذوق مرارة عواقبها أو تودي بنا للانزلاق لما هو أدهى وأمَرّ منها.
فعلينا أن نشحذ هممنا ونقوم بواجبنا في التقويم، فإن للتوعية والتوجيه أثر كبير، فمجتمعنا في أغلبه ليس قطيعاً ينجرُّ خلف الموجات المراهقة دون وعي، وهو ليس مجتمعاً عاجزاً أيضاً، وقد نجح على مرّ السنين في تجاوز موجات أعتى وأعمق بكثير، بل وفّر ما هو أصلح وأنفع وتميّز في ذلك بقدرات وكفاءات وإبداع أبنائه الأمناء الأوفياء. فعليه أن لا يقبل أن يُساق إلى ما لا يريد طوعاً بل و”تطوّعاً“ من حيث لا يعلم!
وحتى وإن فرضنا جدلاً أن التوعية غير مؤثرة - وهو خلاف الواقع -، فإن ذلك لا يسقط واجبنا في التصدي الاجتماعي والفكري والنفسي الفردي والجمعي، من باب الغيرة الإنسانية الفطريّة على أهلنا وأعراضنا - على الأقل - فضلاً عن قيمنا الاجتماعية والحضارية وتعاليم ديننا التي تؤكد على التوعية وإن لم تحصل الاستجابة: ﴿وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ [1] ، فإذا كان هذا هو الموقف فيما يتعلق بالتصدي لملوثات جذريّة سلبيّة صعبة التغيير، فكيف يكون الموقف في تقويمات أصغر وأسهل لمسار وانضباط تغيّرات هي إيجابية في ذاتها؟!
وأخيراً، فإنه عندما يطلُّ الخطر برأسه ليهدد أسرنا وشبابنا وأطفالنا، فإن واجبنا أن نعي ونتحرك ونكون يقظين لما نحضر وما يحضره من نهتم لأمرهم أولاً، وأن نمد جسور الإصلاح عبر التوعية والحوار والنقد الإيجابي ثانياً، وأن نلجأ لحق الضغط الاجتماعي والإعلامي في حال عدم الاستجابة، ثم المقاطعة والابتعاد عن الملوثات وتحذير الآخرين منها إن لم تجْدِ الوسائل الوقائية والتقويمية الأخرى ولا نشارك مطلقاً وبأي شكل من الأشكال في تطبيع هذه المظاهر وتعميمها بين ظهرانينا ولو عبر لامبالاتنا بما يجري في محيطنا، ف «كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيّته»!