آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

الثقافة الكرتونية

محمد أحمد التاروتي *

يشكل عالم الكرتون ظاهرة فريدة نوعها، منذ بروزه على الساحة الإعلامية، وغزوه القنوات على مدى العقود الماضية، فهذا النوع من الرسوم المتحركة، يأخذ بمجامع عقول، الأطفال واحيانا الكبار للتسمر امام الشاشة الفضية لساعات طويلة، نظرا لطبيعة المسلسلات والأفلام التي تعرض.

فالشركات التي تسيطر على صناعة أفلام الكرتون، تتحرر في الغالب من الأمور العقلانية، لتدخل في اللا معقول، مما ساهم في انتعاش هذه الصناعة، على مدى العقود الفائتة، اذ تدر الملايين على الشركات العاملة، في انتاج هذه النوعية، من الأفلام والمسلسلات، خصوصا بعد الثورة الإعلامية الكبرى في الفضاء الرحب، الامر الذي ساهم في بروز قنوات متخصصة، في بث مسلسلات وأفلام الرسوم المتحركة، مما فرض على الشركات المنتجة العمل على تلبية السوق، عبر طرح المزيد من المسلسلات والأفلام، بحيث غزت هذه النوعية من الأفلام دور السينما، وحققت ايرادات ضخمة بعد عرضها على الجمهور.

تلعب أفلام الكرتون دورا في تشكيل الثقافة، لدى الأطفال في مختلف بلدان العالم، خصوصا وان عملية الرقابة، على نوعية المسلسلات المعروضة، ليست سهلة، نظرا لسهولة الانتقال بين القنوات الفضائية، واحيانا الشبكة العنكبوتية، مما يكرس مفاهيم طارئة على الثقافات المحلية، لاسيما وان الشركات المنتجة، لم تضع في اعتبارها اختلافات الثقافات بين البلدان، فهي تنطلق من قناعات فكرية تقوم على مرتكزات، تتماشى مع البيئة المحلية لتلك الشركات، الامر الذي يفسر نوعية الشخصيات التي تلعب دور البطولة، ومختلف احداث تلك الحلقات، وغيرها من التفاصيل المختلفة، مما يضع المؤسسات الثقافية، امام مهمة صعبة في التقليل، من التأثيرات المباشرة، وغير المباشرة، على الطفولة في مختلف الدول.

الإحساس بخطورة الثقافة الكرتونية، على الأجيال الناشئة، يمثل مدخلا نحو وضع الأمور في النصاب الصحيح، فقد تمثل ذلك الإحساس، في إطلاق بعض المبادرات الوطنية، لتكريس مفردات ومفاهيم، تتناغم مع القدرات العقلية للأطفال، بيد ان تلك المبادرات لم ترتق للمستوى المطلوب، نظرا لندرة النخب المثقفة، القادرة على كتابة السينايورهات الخاصة، بالرسوم المتحركة، او محدودية الموارد المالية، او غيرها من المشاكل الاخرى، مما دفع القنوات الفضائية، للاعتماد على الانتاج الأجنبي، لملئ الفراغ الكبير، حيث تحاول التلاعب في احداث تلك المسلسلات، او فرض الرقابة الشديدة، الا ان تلك الجهود تبقى قاصرة، على منع تسرب ”الثقافة الام“، لمصدرة تلك الأفلام الكرتونية، فمهما حاول مقص الرقيب من السيطرة على المحتوى، فانه غير قادر على التلاعب في الأحداث بشكل كامل، خصوصا وان تسلسل الأحداث يفرض على مقص الرقيب، اعادة النظر في قرار، حذف بعض المقاطع، باعتبارها جزء من الحبكة الدرامية، التي تتحكم في مجريات القصة.

ان الثقافة الكرتونية، ستبقى هاجسا يؤرق المؤسسات الفكرية، على اختلافها، نظرا للدور الخطير الذي تلعبه، في تشكيل المنظومة الفكرية، لدى بعض الأطفال، لاسيما وان بعض المفاهيم الثقافية، تبقى محفورة في الذاكرة، مما يجعل عملية استئصالها ليست سهلة، وبحاجة الى مشروع ثقافي بديل، قادرة على اقتلاع، تلك المفاهيم الوافدة من جذورها.

كاتب صحفي