آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

ثقافة التجديد

محمد أحمد التاروتي *

التجديد ينسجم مع التطور الفكري البشري، فالبقاء على نسق واحد، يترك تداعيات سلبية، على الفكر الإنساني، فالمرء بطبعه يتطلع الى الجديد على الدوام، لاسيما وان السير على منهجية واحدة، لا يخدم التطور العلمي، ويقود الى حالة من الرتابة، والركون الى الكسل، وتعطيل التفكير الإبداعي، الامر الذي يحرم البشرية، من الوصول الى مستويات متقدمة على الدوام.

الاحترام الذي يحظى به المفكرون، والمبدعون في المجتمعات البشرية، مرتبط بالطبيعة الانسانية الباحثة عن التجديد، وكسر الروتين لدى الدوائر الفكرية، الامر الذي يفسر تخصيص جوائز مادية وتقديرية، في مختلف الدول العالمية، لتشجيع الإبداع والتجديد على الدوام، لاسيما وان التقدير يشكل محفّزا لدى الدوائر العلمية، للتنافس للبحث والعمل الدؤوب، لتحقيق الإنجازات العلمية والفكرية، فالبعض لا ينظر للجائزة بالمنظار المادي، بقدر ما ينظر اليها من الناحية المعنوية، فالاموال تذهب ويبقى التقدير المعنوي، في ذاكرة الزمن، باعتبارها الجائزة الحقيقية على الدوام.

عملية التجديد مرتبطة بنوعية التفكير، لدى النخب الثقافية، فهناك المحاولات الجادة لرفد البشرية بالعلوم النافعة والمفيدة، فهذه الاجتهادات مطلوبة باعتبارها وسيلة، لأحداث نقلة نوعية لدى المجتمعات الانسانية، نظرا لما تحتوي مثل هذه الخطوات التجديدية، من أهداف نبيلة تمس الواقع الإنساني، بمعنى اخر، فان التجديد ليس مطلوبا في ذاته، في بعض الأحيان وإنما المطلوب الاثار المترتبة على السير قدما، في تكريس تلك الخطوات التجديدية، لاسيما وان هناك محاولات تجديدية، تحمل اثارا كارثية على البنية الفكرية والثقافية، لبعض المجتمعات البشرية، الامر الذي يجعلها غير محمودة على الاطلاق.

التجديد الفكري القائم، على نسف المنظومة الثقافية الصالحة للمجتمع، يشكل خطورة كبرى، فهذا النوع من التجديد يحمل تداعيات سلبية على المسيرة الاجتماعية، الامر الذي يسهم في تدمير الكثير من القناعات الفكرية، واستبدالها بقناعات ثقافية طارئة وغير مرغوبة، مما يحدث صدمة كبيرة في الوسط الاجتماعي، بحيث تتدحرج تداعياته على مختلف الشرائح الاجتماعية، بمعنى اخر، فان خروج الأفكار الصادمة من الصالونات العلمية الضيقة، الى البيئة الاجتماعية الواسعة، يسهم في احداث بلبلة وارباك، لدى العديد من الفئات الاجتماعية، التي لا تمتلك القدرة على التمييز، بين الخيط الابيض من الخيط الأسود في احيان كثيرة.

الوقوف في المنطقة الوسطى، يمثل الخيار الأفضل، ”خير الأمور أوسطها“، فالموقف الرافض للتجديد باعتباره خطر كبيرة، يهدد التركيبة الاجتماعية المتماسكة، لا يشكل موقفا صائبا، وإنما ينطلق في بعض الأحيان من المصالح الشخصية، والخشية من فقدان المكاسب، في حال سيطرة الفكر التجديدي، على الساحة الاجتماعية، وبالتالي فان النظرة المتوازنة، تشكل الضمانة لتحقيق الاهداف المرجوة، من وراء الحركات التجديدية.

وفِي المقابل، فان فتح الأبواب امام مختلف التيارات التجديدية، دون وضع الفراميل، يعتبر استهتارا وانعدام للمسؤولية، فالفكر التجديدي يحمل في طياته، بعض الشوائب التي تحتاج الى تشذيب، وإبدالها بافكار ذات طابع إيجابي، خصوصا وان تقويم الفكر التجديدي، يشكل ضمانة لتحقيق الاهداف المرسومة، الامر الذي يستدعي التوقف مليا، قبل فتح الأبواب امام الأفكار التجديدية.

كاتب صحفي