آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 7:35 م

ثقافة التسول

محمد أحمد التاروتي *

يشكل التسول الثقافي، خطرا كبيرا على إستقلالية، المجتمعات البشرية، خصوصا وان الثقافة الغريبة تحدث انقساما واضحا، في التفكير الاجتماعي، مما ينعكس على وحدة الصف، والتماسك الداخلي، وبالتالي غياب القرار الواحد المستند للبيئة الثقافية المحلية، نظرا لوجود أفكار طارئة، لا تمت للتفكير المحلي بصلة، بمعنى اخر، فان البحث عن الأفكار والثقافات الخارجية، قد يؤدي الى كوارث فكرية، سواء على البعيد المتوسط، او البعيد.

الانسلاخ من الجلد، ومحاولة ارتداء معطف خارجي، يشكل صدمة ثقافة كبرى، في المرتكزات الفكرية، لدى الأجيال الحالية، واحيانا قد تمتد للاجيال القادمة، خصوصا وان تصادم الأفكار بين المحتوى المحلي، والأفكار المستوردة، يؤدي الى اشتباكات عنيفة، نظرا لوجود تيارات متصارعة، تقوم بالترويج لأفكارها، على حساب الطرف الاخر، بحيث يؤدي التناحر بين الطرفين الى صراع كبير، في المجتمع الواحد، وبالتالي الانقسام الصف الاجتماعي، ”و لا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم“.

الاستفادة من العلوم، والثقافات الاخرى امر محبذ، خصوصا وان التراكم الثقافي البشري، يسهم في رفد التطور الإنساني، بينما الانغلاق ووصد الأبواب، امام الاستفادة من التقدم، والتطور العلمي، يمثل خطأ كبيرا، لاسيما وان البشر يتشاركون في حركة النهوض الشاملة، بيد ان التسول القائم على الانبهار، وعدم وضع خطوط حمراء، امام نوعية الثقافة المستوردة، يشكل خطورة كبرى، على المجتمعات البشرية، الامر الذي يفسر الحرص الكثير من قبل النخب الفكرية، على اختيار نوعية الأفكار المستورة، لاسيما وان البيئات الثقافية البشرية، تختلف باختلاف نوعية التفكير، ومستوى الوعي، فالذي يصلح لمجتمع يدمر مجتمعات اخرى، نظرا لوجود ضوابط و”محرمات“، تحول دون استنساخ تلك الأفكار غير المنضبطة، وبالتالي فان إطلاق عبارة الاستفادة من العلوم البشرية، باعتبارها حق مشاع للجميع، تلك العبارة ليست صالحة بالمطلق، نظرا لوجود اعتبارات، وضوابط اجتماعية، تحول دون السير قدما، في اتجاه استيراد تلك الثقافات، غير الملائمة لبعض المجتمعات البشرية.

التسول الثقافي، مرتبط بالحالة الانهزامية، التي تشعر بعض المجتمعات البشرية، تجاه الشعوب المتقدمة، الامر الذي يدفعها لمحاولة تقليدها بصورة كاملة، من اجل الوصول الى المستوى التقدم العلمي والثقافي، بيد ان تلك المساعي تذهب هباء منثورا، نظرا لوجود ظروف، وعوامل مختلفة تماما، الامر الذي يظهر على شكل اخفاق كبير، وضياع واضح، نظرا لعدم القدرة على توحيد الصف الاجتماعي، تجاه تبني الثقافات الدخيلة، فهناك شرائح ترفض دخول مثل هذه الثقافات الخارجية، باعتبارها وسيلة لتدمير الثقافة المحلية، مما يدفعها لاتخاذ مواقف مضادة، بينما تعمد بعض الاطراف - سواء عن حسن نية او سوء نية - بالتبني الكامل للثقافات الخارجية، باعتبارها وسيلة لطرد التخلف، وطريق للنهوض، على غرار الشعوب المتقدمة، التي استطاعت نفض غبار التخلف، والركوب في قطار التقدم الثقافي والعلمي، الامر الذي يحدث شرخا في جدار الصف الاجتماعي، وبالتالي فان الانقسام الداخلي ينعكس على وحدة القرار الوطني، ويمهد الطريق امام استغلال بعض الاطراف الخارجية، للدخول لمناصرة احد طرفي الخلاف، بغرض تكريس الصراع، تحت مبررات وأسباب متعددة، لاسيما وان البيت الداخلي الذي يعيش خلافات، يسهل اختراقه من الاطراف الخارجية.

كاتب صحفي