ثقافة العدو
العداء مرتبط باختلاف المصالح بين البشر، فالبعض يسعى للاستيلاء على ممتلكات الاخرين، او تبوأ مكانة عليا، بعيدا عن رغبة المحيط الاجتماعي، او الأقدام على ممارسات منافية للسلوك السليم، مما يولد ردود فعل مختلفة، تبعا لطبيعة تلك السلوكيات المرتبطة، بحب السيطرة، والاستحواذ على حقوق الاخرين.
العداوة سلوك اجتماعي مألوف، وغير مستغرب بين الكيانات البشرية، فهي لا تقتصر على الأفراد في المحيط الاجتماعي الضيق، بل تتسع دائرتها لتشمل عداوات بين الشعوب، نتيجة السلوكيات الفوقية، التي تمارسها بعض الشعوب، تجاه نظراءها، مما يحدث فجوة كبرى في جدار العلاقات الطبيعية، القائمة بين الشعوب، كما ان احساس بعض الشعوب باستيلاء بعض الأقوام على مقدراتها، ومواردها الطبيعية، ينمي حالة العداء، وبالتالي محاولة إظهار تلك العداوة، على شكل ممارسات مختلفة، سواء رفض التعامل معها، او فرض مقاطعة شاملة، لمنتجات تلك الشعوب.
اصحاب النفوذ الاجتماعي، يعمد لاثارة المشاكل، وتوجيه الأنظار لبعض الأعداء، سواء كانت تلك العداوات مبررة، او غير مبررة، فالهدف من وراء الهاء الناس، وتعميق الخلافات، يكمن في الاستفراد والتصرف في الساحة، دون رقيب او محاسبة، نظرا لانشغال المجتمع باعداء كثر، بمعنى اخر، فان اختلاق العدو سياسة دأب عليها اصحاب النفوذ الاجتماعي، للتهرب من الاستحقاقات الاجتماعية، فالمرء يفضل الدخول في مواجهة مع الأعداء، بدلا من الاستمرار في المطالبة، بالاستحقاقات الاجتماعية، الامر الذي يدركه اصحاب النفوذ الاجتماعي جيدا.
تلعب العوامل السياسية دورا في ارتفاع منسوب العداء، او انخفاضه تجاه بعض الشعوب، ”الناس على دين ملوكهم“، فنشوب خلافات سياسية بين الحكومات، ينعكس على حالة نفور اجتماعي شبه شامل بين الشعوب، خصوصا وان الحكومات قادرة على صنع رأي عام متوافق مع توجهاتها، الامر الذي يظهر على هيئة تراشق اعلامي بين وسائل الاعلام المختلفة، وبالتالي محاولة تشكيل رأي عام مؤيد للتوجهات السياسية الجديدة، بمعنى اخر، فان خلق العدو ليس صعبا على السلطات الحاكمة في مختلف الظروف، بحيث تعمد لشيطنة الطرف المقابل، بغرض تبرير موقفها المعادي، والحصول على التأييد الشعبي.
امتلاك الوعي سلاح فعال، للافلات من مصيدة اختلاق العدو، فالمجتمع بامكانه التمييز بين العدو الحقيقي، والعدو المختلق، وبالتالي فان محاولة جر الناس، باتجاه تكريس العداء، تجاه بعض المجتمعات، مرهونة بمدى الاستجابة السريعة، وكذلك بالقناعة التامة، بمصداقية تلك المبررات، التي تسوقها الماكنة الإعلامية الضخمة، فالمجتمع العربي لا يمكنه الدخول في سلام، وئام مع السلطات الإسرائيلية، الغاصبة لفلسطين مهما حاولت الدوائر الغربية، خصوصا في الممارسات الاجرامية، التي ترتكبها الحكومة الإسرائيلية، تجاه الشعب الفلسطيني.
ثقافة العدو تكون مطلب طبيعي، وغير مستهجن، لاسيما في حال ارتباطه بتقويم بعض السلوكيات الخاطئة، فهناك علاقات اجتماعية لا تستقيم بدون اتخاذ موقف رافض، وإظهار الاستنكار والعداء الواضح، خصوصا وان التسامح والمجاملة، تشجع الطرف المعتدي على الاستمرار، في سلب حقوق الاخرين.