آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 7:35 م

ثقافة الحرب

محمد أحمد التاروتي *

تمثل الحرب احد مفردات الجشع والطمع لدى البشر، حيث تحرك الاطماع الجيوش نحو الاستيلاء على أراضي الاخرين، فهناك عوامل مختلفة تقود لإطلاق شرارة الحروب بين البشر، بعضها مرتبطة بعوامل اقتصادية بغرض الاستحواذ على خيرات المجتمعات الاخرى، كما ان التعطش لتوسيع النفوذ السياسي، يسهم بدوره في اراقة الدماء، بالاضافة لذلك فان زيادة رقعة النفوذ الاجتماعي، تلعب بدورها احد المحركات لاشعال الحروب.

عرفت البشر الحروب منذ القدم، فالأحلام التي ترواد المجتمعات الانسانية، للعيش بسلام بعيدا عن انتشار رائحة البارود وبرك الدماء، ليست قابلة للتحقق، نظرا لاختلاف التوجهات السياسية، واحتدام المصالح الاقتصادية، الامر الذي يحرك السلطات الحاكمة باتجاه إشعال فتيل الحروب، مما يخلف الدمار والقتل على كوكب الارض، فالجهود المبذولة لإرساء ثقافة السلام، وانهاء الحروب الطاحنة، تذهب هباء منثورا، نظرا لوجود أطراف تتغذى على نشر القتل، والدمار في المجتمعات البشرية، اذ يمثل السلام العدو الاول، مما يدفعها للتحرك في مختلف الاتجاهات، لافشال المساعي الهادفة لوضع نهاية للحروب.

ثقافة الحرب تخلف مجتمعات متوحشة، ومصاصة للدماء، لاسيما وان العديد من النزاعات المسلحة، التي عرفتها البشرية خلال القرون الماضية، انطلقت من مبررات زائفة، ولا تستند الى منطلقات مقبولة، فهذه النوعية من الحروب تقف وراء جهات، تبحث عن مصالحها الخاصة، لاسيما وان انتشار الفوضى، والتعدي على الاخرين، يشكل بيئة خصبة للوصول الى الاهداف الشخصية، الامر الذي يفسر ظهور ”أمراء الحرب“، الذين يحتلون مواقع متقدمة، جراء عمليات القتل والدمار، من اجل الحصول على المناصب السياسية او الاجتماعية، فضلا عن استخدام السلاح وسيلة للثراء.

الشعور بالقوة، يمثل احد المحركات باتجاه الاعتداء، على المجتمعات المسالمة، فالحاكم الذي يمتلك القوة الضاربة، يحاول إظهارها في الاستيلاء، على مساحات جغرافية واسعة، اذ يحاول فرض ارادته على الشعوب الضعيفة، في البداية عبر ممارسة السطوة السياسية، والابتزاز الاقتصادي، من اجل سلب تلك الشعوب إستقلالية القرار، بيد ان الأمور سرعان ما تتطور، بمجرد رفض تلك الشعوب التحكم في حرية قرارها السياسي، مما يدفع الحاكم القوي لتحريك الجيوش، لفرض الارادة وأضعاف القرار السياسي لتلك الشعوب، بقوة السلاح واستباحة الدماء، والاستيلاء على الثروات، والموارد الاقتصادية.

الحروب تكون في بعض الأحيان ”شر لابد منه“، لاسيما اذا كانت في سبيل استرداد الحقوق المسلوبة، او مقاومة المحتل، او للدفاع عن النفس، فهذه النوعية من الحروب مطلوبة، باعتبارها الوسيلة المناسبة للحفاظ على الكرامة، وعدم الخنوع لارادة الغاصب، وبالتالي فان الدخول في مواجهة الغاصب، تمثل دفاعا عن النفس، وإيقاف مسلسل امتهان الكرامة، لاسيما وان العدو لا يعترف بالضعيف والمستسلم، مما يفرض التعامل باللغة التي يتقنها، فالتاريخ يعطي دورسا عديدة في قدرة المقاومة، على استعادة الحقوق المسلوبة من الغاصب، وذلك بعد تقديم آلاف الشهداء في سبيل نيل الحرية، وانتزاعها بالقوة بعد سنوات من النضال.

كاتب صحفي