آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 7:35 م

ثقافة الشراكة

محمد أحمد التاروتي *

اختيار الشريك عملية دقيقة، سواء كصديق للتغلب على نكبات الحياة، او للدخول في مشاريع سياسية، او اقتصادية، او غيرها، من الاعمال المختلفة، فالصديق قبل الطريق - كما يقال -، بمعنى اخر، فان الانخراط في المشاريع المشتركة، يستدعي التوقف مليا وتقليب الأمور بشكل دقيق، نظرا لحساسية الموقف خلال السنوات القادمة، مما يحتم وضع قواعد صارمة، في عملية انتقاء الشريك.

المواقف الصعبة، والامتحانات الشديدة، تشكل احد العوامل الكاشفة لمعادن الشركاء، فهناك من يسقط في الاختبار منذ التجربة الاولى، حيث يتوارى عن الأنظار او يميل الى الطرف الاخر، سواء نتيجة الطمع في الحصول على مكاسب كبيرة، من الجهة المقابلة، او جراء الخشية من خسارة المكاسب الموجودة، الامر الذي يكشف الاهداف الحقيقية وراء التقرب، او الموافقة على الانخراط في الشراكة، بيد ان القناعات سرعان ما تتحول الى نفور، وفك عقد الشراكة، نتيجة التعرض لبعض الضغوط، او الوقوع في أزمات متعددة.

تتساقط الاقنعة المزيفة، التي تتملق في أوقات الرخاء، حيث تختفي عن الأنظار، وكأنها ”فص ملح وذاب“، اذ تختلف الأسباب وراء انهاء قد الشراكة، بيد الحقيقة الثابتة، تكمن في اكتشاف زيف، وحقيقة تلك الشراكة القائمة، على المصالح، والمنافع الدنيوية، الامر الذي يتطلب انتهاج الية خاصة، للتعاطي مع هذه النوعية من العلاقات الانسانية، باعتبارها مرض اجتماعي، وفيروس خطير يؤسس لمنهجية غير مستقيمة، خصوصا وان عقد الشراكة يستدعي الثبات، وعدم التراجع، نظرا لما يمثل انفراط العلاقة التشاركية، من تداعيات اجتماعية كبيرة.

إطلاق الشعارات البراقة بالثبات، وعدم التراجع عن المواقف الصلبة، ليست كافية لاكتشاف المعادن النفيسة لدى الشركاء، فالتجربة كما يقال ”خير برهان“، فعند الامتحان يكرم المرء او يهان، فالبعض يقدم على الشراكة بأقدام ثابتة، وعدم الخوف من الوقوع في الامتحانات، مما يؤهله لاجتياز تلك المواقف الصعبة، بحيث يبقى وفيا لكلمته، مهما كانت التداعيات، والاثار المترتبة على الالتزام، بعقد الشراكة، فيما يكتشف المرء هشاشة الشراكة، مع بعض الاطراف، حيث تعمد لاتخاذ مواقف مضادة، وغير مفهومة على الاطلاق، مما يعطي انطباعات واضحة عن مغزى التقرب، ومحاولة كسب الثقة، فهناك أغراض شخصية تقود لمثل هذه الشراكات، وبالتالي فان عدم القدرة على تحقيق تلك الاهداف، يدفع لاختيار الطريق الاخر، من اجل البحث عن شخصيات قادرة على توفير، تلك المصالح الشخصية، سواء اجتماعية، او اقتصادية، او سياسية.

ان الشريك يمثل سندا، وجدارا قويا، في مواجهة الضغوط الاجتماعية، او المصاعب المادية، حيث يلجأ المرء الى الشركاء الحقيقيين، لتجاوز بعض العقبات، لاسيما وان الانسان يشعر بالقوة، والقدرة على الخروج من الأزمات، بمجرد الحصول على سند، او مساعدة من الشريك، اذ يقوم الشريك بإعطاء جرعات معنوية، مما يقود للنهوض مجددا من الكبوة المؤقتة، فهناك مواقف مشرفة سجلها التاريخ، من اصدقاء لمواساة الصديق، بمجرد الوقوع في محنة دنيوية، او التعرض لمشاكل اجتماعية.

كاتب صحفي