الاستقرار العائلي... الزهراء مثالاً
عاشت الزهراء حياةً قصيرةً في سني العمر، إذ يقول بعض المؤرّخين أنّ عمرها عندما توفيت كان دون العشرين، هذا العمر القصير كان مليئاً بكلّ ما يجعل منها امرأةً حيّةً بشكل كامل، في كلِّ الأجواء الرسالية، والروحية والعملية للرجال والنساء معاً.
لقد عاش الإمام علي مع السيدة فاطمة مدة قصيرة في حساب الزمن، ولكنها كبيرة في معنى القيم...
حيث يحدثنا تاريخ الزهراء أنها عاشت مع زوجها كأفضل ما تكون الزوجة محبةًَ ووفاءً وطاعةً ورعايةً، ولذا يذكر التاريخ أنّها وفي أيامها الأخيرة التي أوصت فيها علياً بوصاياها، قالت له: ”.. ما عهدتني كاذبة ولا خائنة ولا خالفتك منذ عرفتك“ فقال لها: ”أنت أبر وأتقى وأعرف بالله من أن أوبّخك في شيء من ذلك“
فما أروعها من كلمة تحمل العديد من المعاني والقيم الرسالية، نحتاج إلى التأمل فيها عند مراجعة الأزمات التي تعاني منها الأسرة اليوم، من تفكك أسري، إلى عنف أسري بمختلف أشكاله، أو عزلة بين الأولاد والوالدين تصل إلى مرحلة الهجران.
لذا يجدر بنا دراسة سيرة الزهراء ، واقتباس أهم المفردات في جانب بناء أسرة مستقرة، تسودها أجواء الهدوء والاستقرار والمحبة بين جميع افراد الأسرة.
خطوط عريضة للاستقرار العائلي:
عاشت السيدة الزهراء مع الإمام علي «عليهما السلام» في بيت يشع بالطمأنينة والسعادة، بيت ترفرف في أجاءه كل فراشات المحبة، بيت تفوح منه أزكى عطور الراحة الزوجية، لقد تحول ذلك البيت إلى روضة غناء بحيث استطاع عليٌ أن يجد فيه الراحة والسعادة والانطلاقة والانفتاح، يقول الإمام علي : لقد كنت انظر إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان.
نعم لقد كانت فاطمة الزهراء طاقة إيجابية تبعث في أرجاء ذلك البيت كل الإشعاعات الحيوية بحيث كان علياً يدخل البيت فيرى الوئام والسلام يحيط به من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله فصار يتنفس كل معاني السعادة في ذلك البيت الرسالي.
إن الحياة الزوجية تقوم على المشاركة والتعاون داخل الأسرة وخارجها، بحيث يمكن تقسيم العمل وتكامله، وأن المشاركة في تقاسم المسؤوليات من الأمور التي تساعد في استمرار الحياة الزوجية.
وهكذا كان الإمام علي وفاطمة «عليهما السلام» يتحسسان مسؤولية البيت فيتقاسماها، ورد عن الإمام الباقر : أن فاطمة ضمنت لعلي عمل البيت والعجين والخبز، وقمَّ البيت، وضمن لها علي ما كان خلف الباب: نقل الحطب وأن يجيء بالطعام.
للقناعة أهميةٌ كبرى وأثر بالغ في حياة الإنسان، فهي تحقّق الرخاء النفسي والراحة الجسدية، والقنوع هو من يترفّع عن صغائر الأمور. ومن يقنع بالقليل فإنك تجده أسعد حياةً وأرخى بالاً وأكثر دعةً واستقراراً.
وهكذا هي فاطمة الزهراء فقد كانت تعيش في بيتها أقسى أنواع العيش، فلم يكن لها إلاّ جلد كبش حدّثت عنه أباها محمّداً ﷺ وقالت له: «والّذي بعثكَ بالحقِّ نبياً، مالي وَبعلي منذُ خمس سِنينَ إلاّ جِلْد كبشٍ نَفترشُه باللّيل ونعلّق عليه بعيرنا في النهار، وإنَّ مخدّتَنا حشوُها ليف».. كانت تحدّث أباها بذلك وهي راضية مطمئنة قانعة بما قسم الله..
إن التدين له أثر على بناء الأسرة وديمومتها، فهو يقلل من حدة الخلافات الزوجية ويقلل من نسب التفكك بين الأسر.
يُحدِّث ولدها الإمام الحسن : «رأيت أمي فاطمة قامت في محرابها ليلة جمعتها، فلم تزل راكعةً ساجدةً حتى اتضح عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات، وتسمّيهم، وتكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أمّاه، لَمَ لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك فقالت: يا بني الجار ثم الدار»
قالت فاطمة الزهراء للإمام علي «ما عهدتني كاذبة»...
الصدق بين الزوجين، من أهم مقومات نجاح الحياة الزوجية، ويعد بمثابة طوق نجاة للزوجين من الكثير من المشاكل، لان الصدق بين الزوجين يبني علاقة قوية بينهما لا يمكن أن تدمر في يوم من الأيام، حيث يخلق بيئة خصبة لتحقيق الاستقرار والهدوء والود والتفاهم والانسجام.
قال الإمام علي : «ما أغضبتها مدة حياتي معها ولم تغضبني ولم تعصِ أمري مدة حياتها معي».
الغضب سمة ملازمة لكثير من الرجال والنساء بسبب ظروف الحياة وتعقيداتها، وهي مسألة وقتية لكنها تؤثر على الابناء وعلى الحياة الزوجية برمتها اذا زادت عن حدها او اذا استمرت كثيرا.
لذلك لابد من التعامل مع مسببات الغضب بطريقة إيجابية، ومعالجتها بطريقة حكيمة، والسعي لتخطي كل المشاكل للعيش بهدوء واستقرار.
وهكذا فإن من يقرأ سيرة السيدة فاطمة الزهراء فهو يقرأ خارطة نجاح لبناء أسرة مستقرة وسعيدة.