يوم في حياة أم سعودية ”عاطلة عن العمل“ «9»
«كنا في الأسبوع الماضي مع السيدة أم محمد، بعد أن عادت بطفلتيها من المدرسة، وكانت معهما، أثناء تناولهما لوجبة الغداء، ومن ثم جلست مع زوجها وإبنها لتناول غداءهم».
أثناء تناول وجبتها مع زوجها وإبنها، تفتح السيدة أم محمد قلبها لهما وتستمع بإنصات، وهما يبثان لها همومهما ومعاناتهما اليومية.
ابو محمد، أو مهندس مصطفى، مدير الشؤون الفنية في بلدية محافظة القطيف، يجد في فترة الغداء فرصة للفضفضة، فوظيفته المحورية في البلدية تجعله واقعا بين مطارق وسنادين. مواطنون يطالبونه بالتساهل، ورئيس بلدية يلزمه بتطبيق النظام بشكل حرفي. هو، يحاول أن يسلك طريقاً وسطاً، يطبق من خلاله «روح النظام»، كما يقول. كانت معاناته سابقاً منحصرة بين رئيسه المباشر، رئيس البلدية، والمراجعين. إلا أنه اليوم يتحدث عن معاناة جديدة، بل معانتين. دعونا نتنصت على فضفضة أبي محمد:
”…. البلدية بالكاد تنفست الصعداء من صدمة الأمين الجديد، القادم من أرامكو بنظرية إدارية جديدة «Total Control»، وإذا بنا بمجلس بلدي جديد، ذي صلاحيات واسعة حقيقية هذه المرة.“
”وماذا بقي لكم من صلاحيات“، سألته زوجته.
”تماما، القليل جدا“، أجابها مصطفى.
”فالأمين الجديد يؤمن بالمركزية المطلقة. هو لم يكتف بسحب الصلاحيات من جميع نوابه، بل يريد سحبها من رؤساء البلديات، بما فيها بلدية القطيف.“
”والمجلس البلدي بأنيابه ومخالبه الجديدة، يقاتل من أجل تثبيت نفسه، وممارسة صلاحياته المفترضة، ونبقى نحن، الجهاز التنفيذي المهمش، أمام فوهة المدفع، والجهة الملامة أمام المراجعين، والمواطنين عموما.“
”الجميل“، يضيف مصطفى.
”أن المجلس، والذي كنا نخشى أن يكون خصماً مزعجاً لنا، إذا به يصبح حليفاً قوياً في مقابل الأمانة، وبالخصوص، أمام الأمين،،،،“
كان ممكناً لهذه الدردشة أن تستمر، لساعة إضافية، لولا أن أم محمد بادرت بذكاء بتحويل دفة الحديث، بسؤال إبنها عن أخباره في المدرسة:
”الحمد لله“ أجابها محمد، وهو سعيد بأن دوره جاء لإفراغ ما في جعبته.
”مدرس الأحياء الممتاز الذي لم أستطع التسجيل معه في الفصل السابق، تمكنت من التسجيل معه في هذا الفصل، وهو فعلا متمكن من مادته، ومتميز في الشرح. لقد حببني لمادة الأحياء، وأصبحت أفكر في دراسة الطب بشكل جدي.“
”هذا جميل، سنحصل اذاً على دكتور في العائلة، بعد أن خسرنا «الدكتورة».“ قاطعه ابوه، وهو ينظر الى زوجته مبتسما.
”لو أصبحت أمه دكتورة، لما كان هناك محمد ابن هدى.“ علقت الأم مبتسمة.
”محمد ابن هدى ممكن، الا أن محمد ابن مصطفى قد لا يكون“. رد زوجها، وهو يبادلها الإبتسامة.
”مدرس الكيمياء جيد أيضا، إلا أنه ممل“ أكمل محمد حديثه، مستردًا زمام المبادرة.
”أما معلم الرياضيات فهو جيد أيضا، وأنا أحب الرياضيات، ولكن،،،،“
”لكن ماذا“. سألته والدته.
" هو يشعرك أحيانا أن هناك جزء ناقص من الدرس، وأن الطريقة الوحيدة للحصول على العلامة الكاملة مربوط بمشاركتك في دروسه الخصوصية.
”ما هذا؟“، تساءل والده.
”هذا هو الفساد بعينه.“
”هذا مجرد إحساس، قد لا يكون واقعيا“، سارع محمد بالتوضيح. ثم أضاف:
”تعلمين ماما من هو أفضل معلم في المدرسة على الإطلاق؟“
”من هو“ تساءلت والدته.
”معلم الرياضة البدنية. هو يكتفي بإحضار كرة قدم، يقسم الفصل الى فريقين، يصفر طالبا منا اللعب، ثم يغادر، ولا يعود إلا قبيل إنتهاء وقت الحصة“.
يتبع،،،،،،،