ثقافة الحسابات
تصفية الحسابات القديمة، او الجديدة، سلاح يستخدمه الكثيرون، في الأضرار بالطرف الاخر، او الخصم، واحيانا يمارس ضد المنافس، حيث يتحرك البعض للبحث في الملفات القديمة، للإطاحة بالطرف المقابل، والحيلولة دون القدرة على النهوض مجددا، لاسيما وان توجيه الضربة القوية، يتطلب تخطيطا مسبقا، واحيانا سرعة اتخاذ القرار، من اجل تفويت الفرصة على الاخر، للاستفراد بالساحة، او تصويره بالخصم الضعيف، مما يستدعي سرعة توجيه الضرب تحت الحزام.
الأضرار بمصالح الطرف المقابل، لا يستدعي في كثير من الأحيان المواجهة المباشرة، حيث تستخدم بعض الجهات الحرب بالوكالة، او تشغيل الاطراف الموالية، لتوجيه ضربات قوية للخصم، فالكثير من الاطراف تدرك قواعد لعبة تصفية الحسابات، مما يدفعها لتحريك جميع الخطوط سواء القريبة، او البعيدة، للرد على الاعتداءات على اختلافها، الامر الذي يفسر حرص الكثير من الجماعات زرع جماعات موالية، للاستفادة منها في آثارة بعض الملفات، بمجرد نشوب حروب علنية، او خفية مع الاطراف الاخرى، بمعنى اخر، فان لعبة تصفية الحسابات تستدعي استخدام جميع الاوراق، سواء المشروعة، او غير المشروعة، نظرا لإدراك جميع الاطراف المتخاصمة، بضرورة الانتصار، وعدم استخدام ”العفو“، باعتباره وسيلة للضعف، وعدم القدرة على المواجهة.
السلوك الاخلاقي في الصراع الوجودي، امر مرفوض لدى الاطراف المتصارعة، اذ يحرص كل طرف ازاحة الطرف المنافس، من الساحة، او محاولة تعطيله لبرهة زمنية، لاسيما وان التعاطي بالمبادئ الاخلاقية، يكون على حساب الاستفراد بالساحة، الامر الذي تتجنبه مختلف الفئات المتنازعة، وبالتالي فان، محاولة الحديث عن الحلول الوسط، او السلمية لتقريب وجهات النظر، بمثابة اضاعة للوقت، نظرا لوجود قناعة راسخة لدى الاطراف، او جميعها بعدم جدوى الحوار، او الشعور بالقوة لنسف المنافس، مما يعني وصول جميع التحركات السلمية لطريق مسدود.
رسائل تصفية الحسابات بين الاطراف المتصارعة، لا تتطلب الكثير من الجهد، فكل طرف بامكانه قراءة الضربات التي يتلقاها، مما يدفعه لمحاولة امتصاص التداعيات المترتبة، على تلك الاعمال، او التحرك الجاد لتدعيم الجبهة الداخلية، لمنع عملية الاختراق وكذلك اتخاذ قرار بضرورة المواجهة، الطرف المقابل، انطلاقا من قاعدة ”خير وسيلة للدفاع هي الهجوم“، لاسيما وان كل طرف يعمل جاهدا لاختيار المواقع الرخوة، لتوجيه الضربات للإضرار بمصالح الطرف الاخر، بمعنى اخر، فان الحديث عن انتصار طرف على اخر في صراع تصفية الحسابات، مرهون بقدرة احد الاطراف على تعميق الجراج، في جسم الخصم، وكذلك في القدرة على اخفاء الأدلة، على ضلوعه في ارتكاب تلك الهجمات.
التعامل باحترافية عالية، وامتلاك الوسائل للتمويه، من اهم الطرق المستخدم في حرب تصفية الحسابات، فكل طرف يسعى لاستخدام القفازات في الصراع القائم، لمنع ترك البصمات، مما يؤدي للاستطالة الصراع بين الاطراف لمدة طويلة، نظرا لوجود اختلافات كبيرة، بين مختلف الاطراف المتصارعة، بمعنى اخر، فان صعوبة الالتقاء لدى الفرقاء، يجعل من حرب الحسابات مشروعة، وضرورية لدى الجميع، باعتبارها من الحروب المقدسة، التي تتطلب البذل والجهد الكبيرين.