آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 7:35 م

ثقافة الرموز

محمد أحمد التاروتي *

تمثل الرموز ظاهرة بشرية شائعة على مر العصور، باعتبارها جزء من الموروث الثقافي والاجتماعي، لمختلف الحضارات البشرية، حيث تحرص العديد من الشعوب، على تخليد الشخصيات الفذة بطرق مختلفة، فهناك من تنسج حولها الكثير من البطولات، والمعارك الخارقة، بغرض تكريسها ذاكرة المجتمع، بينما تعمد بعض المجتمعات للتعاطي مع الرموز الوطنية بطرق مختلفة تماما، اذ تحاول تسليط الاعلام عليها، وتسيطر الكثير من الصفحات، حول دورها البطولي في صفحات الكتب، وكذلك إطلاق أسمائها على الشوارع، واحيانا تسمية بعض المدن والأحياء، بأسماء تلك الرموز الوطنية.

ظاهرة التعاطي مع الرموز الوطنية، امر مهم وضروري، لاسيما وان هناك شخصيات ساهمت في تقديم الكثير، في سبيل الارتقاء بأوطانها، سواء على الصعيد العسكري او الاقتصادي او السياسي او الثقافي، الامر الذي يستدعي رد بعض الجميل لتلك القامات الوطنية، خصوصا وان تلك الرموز الوطنية جزء من تاريخ تلك الاوطان، بمعنى اخر، فان التنكر للأعمال الجليلة، التي قدمتها بمثابة مسح صفحات مهمة من التاريخ، وبالتالي فان السلوك الحضاري للعديد الشعوب ينتهج التقدير، ورفع القبعة لتلك الشخصيات الوطنية، التي لم تبخل بما تملك في سبيل رفعة أوطانها، باعتباره جزء من الواجب الذي يستحقه الوطن.

بالمقابل تواجه بعض الرموز الوطنية بالجحود، وعدم الاهتمام بالشكل المطلوب، فبالرغم من العطاء المستمر للنهوض باوطانها، فانها تواجه بالنكران وعدم الاهتمام، خصوصا وان السياسة تلعب دورا في توجيه الاعلام، باتجاه بعض القضايا، وتجاهل قضايا اخرى، وبالتالي فان الإنجازات التي حققتها الرموز الوطنية، لا تجد الصدى المطلوب على الصعيد العلمي الوطني، وكذلك على الصعيد الاعلامي الداخلي، الامر الذي ينعكس بصورة واضحة على ضياع تلك الرموز العلمية، وسط شعوب شبه نائمة او جاهلة بالدور الحيوي، للرموز الوطنية في قيادة مسيرة النهوض الشاملة، ”عالم ضاع بين جهال“.

عملية التعاطي مع الرموز، تتطلب توجيه البوصلة بالاتجاه الصحيح، من اجل الامساك بالطريق الصائب، لاسيما وان هناك مساعي لتخليد شخصيات تافهة، لا تملك من الامر شيئا، فيما تغيب الاضواء عن الرموز الحقيقية، التي تمتلك الرؤية الصائبة، والقدرة على احداث الفرق، في مختلف الملفات الصغيرة والكبيرة، وبالتالي فان تخليد الرموز الحقيقية واجب وطني، فالأمة التي تقتل رموزها لا تستحق التقدير، والاحترام على الاطلاق، نظرا لعدم إدراكها باهمية الأدوار المهمة، التي تلعبها تلك الرموز في المسيرة التاريخية، سواء الصعيد الوطني او العالمي، فهناك رموز حفرت تاريخها الحافل، في صفحات التاريخي البشري، ليتجاوز النطاق الجغرافي الذي تعيش فيه، مما أعطاها مكانة مرموقة عالمية، فيما لا تجدي الاهتمام اللازم لدى أوطانها، الامر الذي يعطي دلالة واضحة على الفوارق الكبيرة، في التعاطي مع الرموز الوطنية، بين الاوطان على اختلافها، لاسيما وان الثقافة السائدة مع الرموز الوطنية، تحدد الية التعامل سواء بالاحترام والتبجيل، او الجحود والنكران، واحيانا التعسف والقتل.

كاتب صحفي