ثقافة الحرمان
الحرمان يترك اثر متفاوتا لدى بني البشر، فالشعور بفقدان الكثير من الأساسيات، والاحساس الفاقة الشديدة، يولد حالة من الانهزامية، ومحاولة الانتقام من المجتمع، لدى بعض الفئات الفقيرة، الامر الذي يدفعها لاختيار طريق الاجرام، ومحالفة النظام في سبيل تعويض الفقر، او التحرك للحصول على الاموال بطرق ملتوية، لاسيما وان بعض الفقراء يحمل الأغنياء، او غياب العدالة الاجتماعية، مسؤولية الفوارق الكبيرة، بين الفئات الفقيرة وشريحة الأغنياء، واصحاب النفوذ الاجتماعي، مما يسهم في زرع حالة من الحقد على المجتمع، وبالتالي انتهاج الوسائل غير النظامية، في سبيل الحصول على الثروة، واكتساب المال، فهذه النوعية من البشر لا تتورع عن ارتكاب مختلف انواع الجرائم، من اجل الحصول على المال، او تحقيق بعض المكاسب الاجتماعية.
فيما يولد الحرمان لدى البعض الاخر، حالة من الارادة الصلبة، لأحداث تغيير جذري، من اجل تغيير الواقع البائس، وتعزيز المكانة الاجتماعية، الامر الذي ينعكس على الاجتهاد، ومحاولة التعرف على مختلف الطرق المشروعة، في سبيل الانتقال من حالة الحرمان، الى البحبوحة والرخاء المالي، فتارة يكون التغيير من الحرمان الى الرخاء، عبر انتهاج طريق العلم، مما يمهد الطريق لاحتلال مواقع اجتماعية، متقدمة في الجامعات والمراكز العلمية، الامر الذي يقود الى احتلال مكانة اجتماعية مرموقة، لاسيما وان العلم يرفع صاحبه لدى المجتمع، بينما يختار البعض العمل والبدء من الصفر، للوصول الى الطبقة الغنية، حيث يتحرك بخطوات ثابتة، ويسعى لاقنناص الفرص، في سبيل تطليق الفقر، والحرمان والدخول في عالم المال، والرفاهية، اذ يحفل التاريخ القديم والحديث، بشخصيات عصامية استطاعت الانتقال من حالة الحرمان، الى الطبقة الغنية في غضون سنوات.
النظرة للحرمان مرتبطة في بعض الأحيان، بالبيئة الاجتماعية، فهناك بعض المجتمعات تحاول مساعدة الفقراء، عبر تقديم الإرشادات، واحيانا الدعم المالي، للانطلاق وشق طريق النجاح، والخروج من حالة الحرمان، الامر الذي ينعكس إيجابيا على شريحة واسعة من الفقراء، بينما تقف بعض المجتمعات سدا منيعا، امام محاولة الفقراء لنفض غبار الفقر، واحداث تغييرات جوهرية، حيث تمارس تلك المجتمعات مختلف انواع الاذلال، ووضع العراقيل امام التحركات الجادة، لكسر طوق الفقر، الذي يحيط بشريحة اجتماعية، وبالتالي، فان الارادة في احيانا ليست كافية، للخروج من حالة البؤس، الى عالم الرفاهية والرخاء، نظرا لوجود عوامل خارجية قاهرة، تعرقل حرية الحركة، وتسهم في تضييق، هامش المناورة لدى الفقراء.
القضاء على الحرمان مسؤولية مشتركة، فالجميع يشترك في إيجاد البرامج القادرة، على استقطاب الفقراء، من اجل نشر الثقافة الايجابية، لتحويل الشعور بالحاجة والبؤس، الى طاقة معاكسة، للتحرك نحو صنع مستقبل واعد، ومشرق للجميع، لاسيما وان انتشار الحرمان، يشكل ثغرة كبرى، في جدار المجتمع، مما يستدعي التحرك الجاد، لتقليص الشريحة المحرومة، ”الفقر يخرس الفطن“، بمعنى اخر، فان اشراك الشريحة الفقيرة، في بعض البرامج للنهوض، بمستواها التعليمي والمادي، امر بالغ الأهمية، لوضع هذه الفئة على جادة الطريق، نحو تقليص دائرة هذه الشريحة في المجتمع.