مذكر مختوم بتاء مربوطة
عندما سألتُ طالبتي الصغيرة ذات الأحد عشر ربيعا عن اسم لمذكر مختوم بتاء مربوطة ولم تُجب، حاولت توضيح الإجابة مضيفة لها أنه اسم لأحد أعمام الرسول الكريم ﷺ، لكنها لم تتوصل للإجابة. قلت لها: نَاصَر الرسول الأكرم وجَاهد بجانبه واستشهد دفاعا عن الإسلام، قبره في المدينة المنورة، لكنني أيضا لم أفلح. وفي خضم هذه المباحثة التعليمية نوّهت لها زميلتها بملاحظة يبدو أنها كانت في غاية الأهمية حيث قالت لها: ما اسم الطبيب الذي ظهر في الجزء الرابع من باب الحارة؟ وكم كانت دهشتي عظيمة عندما أجابت في الحال: حمزة!
سألت نفسي هل أخفقتُ في تقريب الإجابة كما يجب؟ وأصابت زميلتها من حيث لا أعلم؟
ياترى هل ظلمنا هذه الأجيال؟ أم ظلمتهم التقنية الحديثة وأغرقهم موج الترف الإلكتروني؟ من المسؤول عن وقوع أبنائنا في فخ تلك الأجهزة القابعة في أحضانهم؟! ومن المسؤول عن غياب المناعة ضد الثقافة المبتذلة الدارجة في مجتمعاتنا؟! وهل غابت القدوات المثلى في حياتنا وتسرّب أثر غيابها ألما ثقافيا موجعا؟
إن النموذج الأمثل لم يغب بيننا وإنما تغشته ضبابية الإهمال، فأضحى إهمال أطراف الشراكة الملهمة للناشئ واضحا وساروا خبط عشواء بين التربية السطحية والأداء السريع في تنشئة هذا الجيل. إن هذا الجيل يشكو حربا نفسية مع زمنه وهو بحاجة شديدة لنفهم وضعه ونحن عاجزون عن ذلك لأننا في وضع أسوأ من وضعه فقد سرقتنا أجهزتنا من أحضان أطفالنا وسرقتهم تلك الأجهزة من اللعب فوق الرمال فعاشوا الجمود الفكري، ووقعوا رهائن كيد هذا الترف الإلكتروني والثقافة الهابطة. وإذا أردنا أن نعيد الموازين السليمة علينا أن نرفع شعار المحبة ونقوِّم الغرس جيدا حتى ينمو باستقامة. إن أطفالنا بين أيدينا غصون صغيرة تعتدل إذا قُوّمت في مهدها وأخذت الرعاية الكافية من جميع احتياجاتها.
كما أن تطوير إمكانات الطفل ومهاراته مهمة الأسرة في المقام الأول فهي الَتِي تُكافئ وتشجع وتقدم النموذج الأمثل للطفل واضعة وسام القوة الفكرية على أكتاف أفرادها فما أن يخرج ذلك الشاب بعيدا عن أسرته حتى يواجه مجتمعه الآخر بأنماط مختلفة من التكيف المدروس لأن ماتعلمه في أحضان أسرته لم يُمحَ أبدا من ذاكرته، لقد أخذ الحكم صبيا فكانت جذوره محكمة، ونشأ في جو أسري صان والداه فيه أذنيه عن سماع كل قبيح فلم يشقَ بذكرى مؤلمة تردّد لفظها أمامه.
لقد احتفظت أمه بقلبه كجوهرة ثمينة حافظت عليها من الخدش أو الضياع، أما مشاعره فهناك حارس يحرسها من العبث بها بكمٍّ كبير من التوجيهات المغلّفة بحب وحرص دون تنفير.
هذا الطفل أنهى دراسته الثانوية ورحل بعيدا عن الديار لإكمال دراسته ليعود ضيفا على أسرته، الشاب المبتعث أصبح قويا، جذوره الغائرة في الأعماق ارتوت من جميع مفردات الحب ومضامين التربية السليمة فشكّلت قوة عظمى ارتكز عليها في مواجهته للعالم الجديد، لقد استعدّ جيدا عندما خرج من حصنه استعدادا فكريا ودينياو اقتصاديا مواجها جميع الثقافات والاتجاهات الفكرية ليمحصّ السيء من الجيد ولأنه تربى منذ سنوات عديدة تربية صالحة تفوح منها رائحة العقل، اقترنت فيها الفضائل بمثيلاتها.
يقول أحد الحكماء:
«ما قرن شيء إلى شيء أفضل من إخلاص إلى تقوى، ومن حلم إلى علم، ومِن صدق إلى عمل، فهي زينة الأخلاق ومَنبت الفضائل»