معجزة نبوية
قال الله تعالى في سورة الجن: ﴿قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا «25» عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا «26» إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا «27» لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا«28»﴾.
ورد عن المصطفى ﷺ قوله للإمام الحسين : «بأبي أنت، كأني أراك مرملا بدمك بين عصابة من هذه الأمة، يرجون شفاعتي، ما لهم عند الله من خلاق، يا بني إنك قادم على أبيك وأمك وأخيك، وهم مشتاقون إليك، وإن لك في الجنة درجات لا تنالها إلا بالشهادة» الأمالي للشيخ الصدوق: ص216 217
وإتماما لما سبق من حلقات هذه السلسلة تقرر عقد هذه الحلقة في بيت أخي زوجتي - خال الأولاد - بحضور صاحب البيت وزوجته.
وبعد تقديم واجب الضيافة وبدأ الحلقة أخذت زوجتي أم الأولاد تدون ما يدور فيها من خلف الستر ومعها زوجة أخيها، وبدأنا الخال بالسؤال التقليدي: ما هو موضوع هذه الحلقة؟!
- موضوع الحلقة كما هي مواضيع الحلقات السابقة، جديد ومختلف عن سابقه.
- هذا هو المتوقع منكم دائما.
- أشكركم على هذا الإطراء، ولكن دعنا نبدأ حلقتنا بالصلاة والسلام على رسول الله واله.
- صلى الله عليه واله، ومرة أخرى؟ ما هو موضوع هذه الحلقة؟
- هذه الحلقة هي محاولة لإثبات أن معركة كربلاء واستشهاد الإمام الحسين معجزتان نبويتان تضفيان مصداقية لا يستهان بها إلى الإسلام ورسالة النبي محمد ﷺ.
- وكيف تكون معركة كربلاء واستشهاد الإمام الحسين معجزة لرسول الله ﷺ تعطي مصداقية أخرى لنبوته وللدين الإسلامي، والرسول ﷺ قد انتقل إلى الرفيق الأعلى؟
- قبل الإجابة على هذا السؤال، علينا التعرف على أنواع المعجزات النبوية.
- فجاءنا سؤال من زوجة الخال من خلف الستر قائلة: وهل هناك أنواع للمعجزات النبوية؟
- نعم سيدتي، فهناك نوعان مختلفان لمعجزاته صلى الله عليه واله وسلم، منها ما تحقق خلال حياته الشريفة، ومنها ما تحقق بعد فراقه دار الدنيا.
- فقال الخال: أثرت فينا حب الاطلاع، فما هي المعجزات التي تحققت خلال حياته الشريفة؟
- منها معجزة القرآن الكريم التي لا تزال بعيدة عن التحريف الآدمي حتى يومنا هذا، ومنها الإسراء إلى بيت المقدس، والمعراج إلى السماوات العلى، ومنها حنين الجذع، والشاة المسمومة، وجريان الماء من أصابعه الشريفة، وإطعام الآلاف من جفنة واحدة، وسقيهم من راوية، وغير ذلك مماّ أوقعه الله على يديه المباركة كرامةً له ولنبوّته. *
- وصدر التعجب من زوجتي الحبيبة قائلة: كل هذه المعاجز كانت لنبينا ﷺ في فترة حياته الشريفة؟! فما هي معجزاته صلى الله عليه واله التي حدثت بعد رحيله عن الدنيا؟
- بل هذه بعض معجزاته ﷺ في طول حياته المباركة، وهناك عدة معاجز أنبأ بها رسول ﷺ خلال حياته الشريفة وحدثت بعد ارتفاع روحه الطاهرة إلى باريها.
- فعاد الخال قائلا: وهلا عجلت وأتحفتنا ببعضها لنتبارك بها؟!
- إن شاء الله، فهناك تولي بني أمية مقاليد الحكومة الإسلامية، وخروج الخوارج على إمام زمانهم، واستشهاد أمير المؤمنين قتلا على أيديهم، بعد قتاله للناكثين والقاسطين والمارقين، ومن آخر القائمة وليس آخرها استشهاد الإمام الحسين في كربلاء.
- فقالت زوجتي العزيزة: الآن دعنا نتوجه إلى صلب موضوع الحلقة ومسألة إثبات أن استشهاد الإمام الحسين وواقعة الطف تعطي مصداقية لرسالة النبي ﷺ وتثبت سماوية الدين الإسلامي.
- كما قلنا سابقا أن واقعة الطف هي احد نبؤات النبي الخاتم ﷺ، واحد معجزاته الباهرة بعد القرءان الكريم، لأنها تحققت على ارض الواقع بعد التحاقه بالرفيق الأعلى.
- فعاد الخال ليسأل من جديد: كل هذا معلوم لكل مسلم ومحب للإمام الحسين ، وأعود وأقول: وكيف يمكننا تسجيلها كواقعة تضفي مصداقية لرسالة النبي الكريم ﷺ ونبوته؟
- هذا ما انوي الوصول إليه، لو تركت لي المجال مفتوحا.
- تفضل بإكمال ما لديك، واعتذر على المقاطعة.
- لا عليك، فقط كان تمهلي لنلج إلى صلب الموضوع خطوة بخطوة حتى نعرف جميع أبعاده.
- الظاهر أني أحرفت مجرى تفكيرك، فلقد كنت تحاول إثبات أن واقعة كربلاء تضفي مصداقية لرسالة النبي ﷺ وسماوية الدين الإسلامي.
- صدقت، فلم يتفق المسلمون بمختلف مذاهبهم، ولم تتفق كتبهم ومورثاتهم النبوية بتعدد كتابها، مع اختلاف مشاربهم وأهوائهم على شيء كاتفاقهم على قضية كربلاء وما دار حولها من أحداث، هذا أولا.
- فعادت زوجة الخال متسائلة: وما دخل هذا في إثبات مصداقية النبوة وسماوية الرسالة المحمدية؟
- دخله سيدتي الكريمة، إثباته أن هذه المرويات المنقولة عن رسول الله ﷺ، وحيث إنها لم تروى من قبل فريق واحد من المذاهب الإسلامية دون الآخر، لا يمكن أن يدخل الوهن أو الشك في صحتها، خاصة إذا كثر رواتها، وكانت صحيحة السند. [1]
- عندها سألت زوجتي الغالية: هذا الأمر الأول وقد علمناه واستوعبناه، فما هو الأمر الثاني؟!
- الأمر الثاني عزيزتي: أن الإمام الحسين قد عمل على تطبيق نبؤة جده ﷺ حرفيا على ارض الواقع رغم اعتراض المعترضين عليه من الصحابة والتابعين، ورغم محاولات الحكومة الأموية قبل واقعة كربلاء وجيشها المتلاطم خلالها لحرف مسيرتها عن طريقها السماوي المرسوم لها.
- هنا استوضح الخال قائلا: وهذا أيضا ماذا يعني، وماذا يفيدنا في إثبات رسالة النبي ﷺ، فلقد سيق الإمام الحسين إلى حتفه؟!
- هذا غير صحيح، فالحسين لم يساق إلى حتفه، بل هو من اختار هذه النهاية ولم تفرض عليه فرضا. فلقد كان بمقدوره تغيير مسار الأحداث وتغيير نتيجة الصراع لصالحه الشخصي.
- هنا سألت زوجة الخال متعجبة: وهل كان بإمكانه تغيير نتيجة الصراع لصالحه، وتخليص نفسه وعائلته وأصحابه من هذا العذاب والهوان الذي لاقوه؟!
- نعم كان بإمكانه ذلك، ولكن في مقابل بيع إمامته والتنازل عن دينه وترك الأمة الإسلامية برمتها دون قيادة، ويحصل بعدها على دنيا بني أمية الدنية، أو التضحية بنفسه وأصحابه وأهل بيته.
- هنا قال الخال: إذا هو رضي بالتضحية بنفسه وذويه وصحبه مقابل تحقق نبؤة جده رسول الله ﷺ وإعطائها المصداقية، واثبات سماوية الدين الإسلامي.
- نعم صدقت وهذا ما حدث بالفعل، ولكن يحب أن لا يدور في خلدنا أن ما حدث هو أمر قد دبر بليل بين الرسول ﷺ وحفيده لمجرد إثبات هذه النبوءة، ولكن ما حدث بالفعل ما كان ليؤدي إلى غير هذه النتيجة المنطقية، مع إيمان الإمام الحسين الرباني، وتعنت بني أمية الجاهلي.
- هنا علقت زوجتي قائلة: صدقت في كل هذا، وشكرا لازالت ما علق بفكرنا من ترسبات جاهلية، ما كانت لتذهب لولا هذا النقاش المنطقي.