لِمَ الهَلَع؟!
عندما تسأله ويصاحب سؤالك نبرة مغلفة بعلامة تَأَثُّرٍ كبيرة: هل الأمور ومجرياتها في هذا الكون الرحيب بيد خالق الأكوان سبحانه وتعالى؟!
فيجيبك بنفس مطمئنة مؤمنة، وبيقين تام وافٍ غير ناقص ولا معتل: إن سؤالك هذا لا يحتمل إجابتين، والرد عليه واضح لائح، ولا يحتاج إلى إعمال عقل وتفكير، وبين جنبات إجابته الواثقة، وبين كل جملة وأخرى، سيردد لك كلمة «نعم»، ويصاحبه في ذلك نبرة مغلفة بالثقة والإيمان والحجة والبرهان...
إذًا لِمَ الهلع والخوف مِنْ أنْ نظهر نعمة منحنا إياها الخالق سبحانه وتعالى، ويكون أثرها واضحا علينا؟!
لِمَ نهلع ونعتقد بأننا لو أخبرنا الناس من حولنا إخبارا عاما بما حصلنا عليه من رزق أو نعمة فإن ذلك الرزق سيزول في لحظة وكأنه شيئا لم يكن، وأن تلك النعمة ستندرس وتتلاشى؟!
لِمَ نهلع ونظن أن الناس، كل الناس، حتى الأقارب المقربين والأصدقاء المخلصين سيحسدوننا على ما تفضل به الله علينا وأنعم؛ فينتج عن ذلك اندثار تلك النعم بين عشية وضحاها؟!
ما هذه القدرة العجيبة الجبارة لدى البشر؛ كي يتمكنوا من سلبنا وحرماننا من تلك النعم التي أعطانا إياها رب البشر؟!
أين ذهب كل ذلك التشدق بالإيمان والثقة واليقين بأن مجريات أمور الكون وتدبيرها بيد الخالق عز وجل؟!
هل ذهب كل ذلك أدراج الرياح وأصبح هباءً منثورا؟!
لقد أصبحنا نهلع من إظهار أثر النعمة علينا بحجة الحسد المصحوب بسوء الظن في أحايين كثيرة، مع أن ذلك الإظهار أمر إلهي واجب علينا فعله وليس كتمانه، فالإظهار فيه شكر لله على ما تفضل به علينا وأنعم، والكتمان من الجحود لأنعم الله.
هو يظهر الفقر مع أنه يملك المال، هو يظهر المرض مع أنه صحيح الجسم، هو يظهر الكسل مع أنه يمتلك القوة البدنية؛ كل ذلك خوفا من الحسد.
حتى أولادنا فلذات أكبادنا لم يسلموا من هذا التوجس، فقد زرعناه فيهم حتى تأصلت جدوره، فأصبحوا أكثر فزعا وهلعا منا.
دعونا ننزع كل ذلك الخوف والهلع والفزع!
دعونا نصرخ صرخة مدوية تصل إلى عنان السماء، وتخترق الفضاءات، وتعبر القارات،
ونقول:
إن الله موجود، وهو الرازق والمدبر لكل شيء، وما أعطانا إياه من النِعَمٍ لا يستطيع كائنا من كان أن يسلبها منّا بمجرد أنه علم بذلك.
الحسد صفة مقيتة وموجودة، لكن مع الوفاء بحق الله الواهب فيما أنعم به علينا، فلا نخاف حسدا من أحد، وعدم خوفنا هذا دليل على عمق الإيمان بالله عز وجل؛ فَلٍنُحَدِّثْ بتلك النعم ففي ذلك عبادة وشكر للمنعم الواهب سبحانه.
ولِنَتَدَبَّرْ قول الله تعالى: «وأما بنعمة ربك فَحَدِّثْ»، ولِنَسْتَحْضِرْ قول خير البشر محمد بن عبدالله ﷺ: «إن اللّهَ يُحِبُّ أن يرى أثرَ نعمتهِ على عبده».