آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 4:17 م

”الحسرة على أيام أول“

عباس سالم

عاش الإنسان القطيفي في الزمن الجميل، الطيبة، والتسامح، والمحبة والسلام، والتي وللأسف قد لا تجدها بين معظم الناس من الجيل الجديد! لذلك يحزن كل من عاش ورأى حلاوة ديك الأيام في القطيف وقراها وكيف هي الآن.

إن الحياة في الماضي ولو أنها كانت قاسية لكنها جميلة، حيث كانت المهن الحرفية في البلاد سابقا مثل صيد الأسماك، والزراعة، وطهي الطعام للولائم، والحدادة، والحلاقة، وتشييد المنازل، وغيرها تدار بأيدي أهل البلد الطيبين وكان الناس ينعمون بالهدوء والكل يعمل ويتعب مستمتعين بخيرات الأرض الطيبة، وحيث أن أرضنا تنتج كل ما يحتاجه الناس من مأكل ومشرب ولا شيء يستورد من خارجها سوى القليل الذي يأتي به الزوار من الدول المجاورة، قبل الطفرة المادية ودخول التطور التكنلوجي إلى البلاد والإستغناء عن كل ما هو قديم أو تدميره!

لا زلت أتذكر ذلك الحديث الذي دار بيني وبين بعض كبار السن في بلدتي الذين عاصروا جمال مدينة القطيف عامة وجزيرة تاروت خاصة حيث الخضرة والماء والوجه الحسن، ذلك الحديث المليئ بالآهات والحسرات لما وصل إليه حالها الآن، فعندما سألتهم كيف هو حالكم في تلك السنين وأنتم في ريعان الشباب وكيف كانت هي القطيف؟ فأجابوني بنبرات الحزن والأسى على ضياع الموارد الطبيعية في البلاد وهي الماء والزراعة والبحر!

اليوم عندما تتأمل في صورتك وأنت أمام المرآة صباح كل يوم وترى ما عليك من ملابس تكمل كشختك التي تتباها بها بين الناس، هل تعلم أيها الكاشخ أن الفضل الكبير هو للأجنبي الذي وفر لنا كل ما يستر عوراتنا! وهل تعلم أن كل ما يسد جوعنا وعطشنا حتى حليب أطفالنا يصنع بأيدي أجنبية!

آه على ديك الأيام.. حلوة وجميلة في ذاك الزمان، تطلع تهايل وتنام في كل مكان، في البيت والمزارع، والنخل، وفي البر والبحر كلهم أمان، وماحد يقول لك وين رايح وين بيتك وإثباتك يالحبيب.

الله محلى ديك الأيام.. حلوة وجميلة في ذاك الزمان، تذكرون بيوتنا الحلوة القديمة بغرفة وحده وعريش وتكفينا وتزيد، وكلنا نتجمع في الفريج، والصغير يحترم الكبير، والأبو له احترامه من الجميع، الله محلاها ديك الأيام إلي كنّا فيها نعرف آخر فريج ولا حد يقول لك إنت من أي مذهب وأي طريق.

الله محلى ديك الأيام.. حلوة وجميلة في ذاك الزمان، ليه شفنا امهاتنا جالسات في «فيّة» الفريق، هادي تنسف العيش، وديك على القدو ماخده الكيف، وديك مشغولة بخياطة سروال مطرز بخيط، والبعض منهن يسف الخوص لصناعة الحصير، والمروحة، والزبيل، وقفة العيش.

الله محلى ديك الأيام.. حلوة وجميلة في ذاك الزمان، كانت الأبواب في الفريج مفتحة طول النهار، وكنّا نطلع من بيت إلى بيت نأكل ونشرب وكلنا إخوان، لا أسوار تحيط بيوتنا مرتفعة عدة أبواع، ولا بوابات مُحكٓمة أشكال وأنواع، بس دروازه خشب ولا تنرد إلا آخر الليل! وإذا أُمنا بتطبخ الغذاء وما عندها بصل ولا بيذنجان طلعت تركض إلى بيت الجيران اتجيبه ولا تتعطل وتخلي أبو العيال والأولاد جياع.

الله محلى ديك الأيام.. حلوة وجميلة في ذاك الزمان، كنّا في أمن وأمان ونحب كل الناس، ولا هذا يقول فلان يقلد فلان، ولا ذاك يقول هذا المرجع أعلم من ذاك، والكل يكن لمراجعنا العظام كل الإحترام، الله محلى ديك الأيام كنا نطلع نصلي في المسجد ولا نعرف هذا تابع الشام وذاك تابع عمان.

الله محلى ديك الأيام.. حلوة وجميلة في ذاك الزمان، تذكرون أيام الديرة الي قضينا فيها أحلى الأوقات، كنا نتجمع في صاباتها ونلعب أحلى ألعاب شعبية في ذاك الزمان مثل: التيلة، والدوام، والمخطة، والطير، والوصلي والدحجوه، وتذكرون أيام لعبنا الكورة في الفرجان هذا شايتنها بوز وغالنها في بيت الجيران، وذاك رجله تألمه من شوتة العنصوص، لعب ووناسة والكل فرحان، ولا أحد يسألك ويش لابس وليش ثوبك رقعته عدة ألوان.

الله محلى ديك الأيام.. حلوة وجميلة في ذاك الزمان، تذكرون أيام أول في محرم الحرام، والمسيرات إلي تمشي للمعزين بين المآتم في الفريج، هذا حامل له علم، وذاك رافع الراية على الأكتاف، وذاك صدره لاطمنه، وذاك يلطم على الرأس والكل حزنان على حسين الشهيد .

الله محلى ديك الأيام.. حلوة وجميلة في ذاك الزمان، تذكرون ديك القواري إلي كانت توقف عند الحمام وتشوف الكل فرحان ومبتسم بخدمة الناس، والدكاكين مفتحة ويديرها أهل البلد الكرام، هذا يبيع خضرة، وذاك يفصل ثياب، وذاك معلق الغواري على الباب، وصاحب القهوة حامل التبسي يوزع عليهم الشاي، والخباز يضرب بالمحور يسمع الناس، والأجنبي ماله مكان، والأجنبي ماله مكان.

الله محلى ديك الأيام.. حلوة وجميلة في ذاك الزمان، تذكرون حمام تاروت بمائه الدافئ والناس متجمعة تسبح فيه كل يوم، هذا يلعب الدحجوه، وذاك يتحدى من يغطس معاه، وذاك بلعبة صافي الوافي يصيح تعال به، وتذكرون عين العودة أم الخير والمناطط من فوق القصر! ومن على سورها إلى عمق تنورها الفوار! والسباحة من الأرملي ونعبر نفق حمام باشا إلى الحمام.

الله محلى ديك الأيام.. حلوة وجميلة في ذاك الزمان، تذكرون أيام الدراسة بحلوها ومرها، وكنا نمشي مسافات صيف وشتاء حتى نوصل للمدرسة، ولا نقول اليوم غبار ومطر ولا فيه مدرسة، ولما يقرب الإمتحان نستعد له بالخروج كل يوم للمذاكرة بره المكان، بين البساتين الجميلة في ذاك الزمان، ناس في زيزة وبرية الخضر، وناس في عين أم عريش، وناس في المحيسنيات وعين الجشي وسوامة، وناس في الوزارة والعقير، وناس في بساتين الشمال!

الله محلى ديك الأيام.. حلوة وجميلة في ذاك الزمان، إذا جاء موسم «الحبال» كل واحد فينا جهز أفخاخه وراح يِدَوُر له عناقيش في المزارع وَالنَّخْل، ونفرح لما نشوف ذاك الأصرد «الطير» واقف على حظار المزرعة، ويناظر بشوق من نرمي له الفخ ويرقص له العنجوش، يزيد شوقه وينشنش إجناحه فرحان ينظر هنا وهناك، وبعدها يطب على الفخ بينهش العنجوش، وما درى أن الفخ له محبول، وحنا الناظر بشوق وفرح متى نصيد هالعصفور، ونطير من الفرح من دون جنحان.

الله محلى ديك الأيام.. حلوة وجميلة في ذاك الزمان، تذكرون بحرنا إلي كان فيه السمك أنواع وأشكال! وكنا نطلع للحداق ناس في بحر دارين، وناس في بحر المحيسنيات، وناس في بحر الربيعية، وناس في بحر سنابس والزور، وناس في بحر الشمال!

كان الخير في بحرنا واجد قبل لا يدفن والقرم ينشال! ويش حلاوتك يا بحرنا ديك الأيام على السيف نحدق ونلقي ويغازلنا الهوى ونام، وما حد يجي لك ويقول النوم هنا ممنوع وابتعد عن هذا المكان! الله محلى ديك الأيام.. حلوة وجميلة في ذاك الزمان.. حلوه وجميلة في ذاك الزمان.

نراكم على خير