قبل أنسنة أعمال البلديات
التصريح الذي صدر عن وزير الشؤون البلدية بمناسبة اللقاء السنوي للقطاع البلدي وشركائه، يحتاج إلى أكثر من وقفة، فقد اشتمل تصريحه على أكثر من موضوع بلدي مهم ومؤثر في حياتنا. أن تطرق الوزير عبداللطيف آل الشيخ لهذه المواضيع إضافة لما سمعته مباشرة من ثناء وتقدير لمعاليه - من قبل أكثر من اقتصادي - عمل معه عن قرب، كل هذا يرفع لدى منسوب التفاؤل بشكل كبير.
أود التذكير هنا بعبارة لمعاليه سميتها بعبارة الأنسنة وهي تصلح أن تكون رؤية وبرنامج عمل للمرحلة المقبلة، وهي: ”مطلوب منا العمل بجد في الأنسنة والتطوير والصيانة وإنشاء الحدائق والرقي بالمظهر العام وتعزيز النمو في شتى المجالات الإنسانية، مؤكدا أن ذلك يتأتى بمعالجة المشكلات والاستماع للمواطنين والمقيمين، واشراكهم في عملية التطوير خلال الفترة القادمة“. هذه الفقرة تعني الشيء الكثير لكني اقتصر هنا على معنى واحد سوف احاول صياغته - ما امكن - على شكل اقتراح موجه لبلدية القطيف الموقرة.
لن أتحدث الآن في موضوع الأنسنة عن مشاريع الطرق والأرصفة وضرورة أن تكون مناسبة للمشاة بجميع فئاتهم سواء الأطفال أو كبار السن أو ذوي الاحتياجات الخاصة أو ممارسو رياضة المشي أو غيرهم، وليس عن الحدائق وضرورة تطبيق الاسترشادية الواردة في أدلة الوزارة، ولا المشاريع الأخرى التي بإمكانها أن تحدث فرقًا على مستوى المحافظة وتتويجًا حقيقيًا لما طلبه وحث عليه الوزير، بل سأتحدث عما يمكن أن يشكل البداية للتغيير وتطبيق مرحلة الأنسنة، وهو على مستوى لغة الخطاب الإعلامي للبلدية، فإدارة العلاقات العامة والإعلام بحاجة إلى أن تتجنب في تصريحاتها إلقاء مسؤولية أي فشل على الناس، وأيضا تجنب استخدام بعض الكلمات التي لا تتناسب مع طبيعة الجهاز المدني التي تتبع له، ولا ينبغي لجهاز حكومي خدمي مدني أن يستخدمها، فكلمات مثل ”مداهمة أو اقتحام وغيرهما من المصطلحات التي هي أقرب إلى المصطلحات الأمنية والعسكرية وليست ذات طابع مدني، فاللغة العربية مازالت ثرية ومعطاءة، بل أنه حتى كلمة“ حملة ”يمكن استبدالها بما هو أفضل، بل وتنظيم العمل التي يصفها ب“ الجولات الرقابية" المجدولة أو الشهرية على سبيل المثال، وهذه المصطلحات معروفة وتستخدمها الوزارة.
أن استبدال التصريحات البلدية بهذا النوع من الكلمات هو أقرب لطبيعة عمل الجهاز البلدي وطبيعة الناس المعنيين بالخطاب، ولا يصح الترويج - المباشر وغير المباشر - لاتهام المستفيد من خدمات البلدية بالمسؤولية عن فشل هنا أو هناك، ولا يفوتني أن هنا الاستشهاد بالمسمى الذي اعتمدته أمانة مدينة الرياض منذ زمن كتعبير عن هذا المعنى لأحدى الإدارات العامة لديها، وهو الإدارة العامة للراحة والسلامة، والذي يصب ايضا بنفس هذا الاتجاه.
وأود أن أهمس في أذن إدارة البلدية للابتعاد عن العقلية أو الفلسفة الجزائية في أداء أعمالها، فهي جهاز خدمات مدني ويجدر به وينبغي عليه أن يظهر بمظهر مدني ولا يسعه أن يقوم بأي عمل أو يتوانى أو يتأخر عن أي عمل من أعماله ذا طبيعة أو يُفهم من أنه ذا طبيعة جزائية.
قد يكون مثل هذا التغيير «المقترح» نحو الأنسنة بسيطاً في الشكل، لكنه كبير الأثر وسريع التأثير ولا يحتاج إلى ميزانيات مرصودة أو موافقات إدارية عليا، بل أنها من مصميم المرحلة المقبلة ونقطة البداية الصحيحة للتغيير وتطبيق التوجهات التي دعا لها معالي الوزير.