آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 4:17 م

ثقافة المقاطعة

محمد أحمد التاروتي *

المقاطعة سلاح، يستخدم لاجبار الطرف الاخر، على تقديم التنازلات، فهذا السلاح يعتبر بمثابة الاوراق الاخيرة، التي تسبق اعلان الحرب، والدخول في صراع مسلح، بمعنى اخر، فان الخلافات القائمة بين الاطراف، تبدأ في العادة بالحرب الكلامية، ومحاولة كل طرف، سحب البساط من تحت اقدام الاخر، من خلال نشر احد الطرفين غسيل الطرف الاخر على الملأ، واحيانا اختلاق قصص كاذبة، بغرض تحقيق الانتصار في المعركة الكلامية، التي تدور بين الاطراف المتخاصمة.

اللجؤ الى سلاح المقاطعة الاقتصادية، مرتبط بقدرة الطرف الاخر على الصمود، وعدم رفع الرأية البيضاء، في المعركة الكلامية، فهذه النوعية من الحروب تطول او تقصر، تبعا لحجم الخلاف الدائر، لاسيما وان الخلافات ليست محصورة، على بسط النفوذ الاجتماعي، فهناك خلافات فكرية تبرز بقوة، بشأن الكثير من الاّراء والمعتقدات، الامر الذي يحرك جميع الاطراف، لمحاولة التصدي للزحف التدريجي، او السريع، لأحد التيارات الفكرية، على حساب التيار الاخر، مما يمهد الطريق لاستخدام سلاح الكلمة، لمحاولة إلحاق الهزيمة بالخصم، كما ان الخلافات تتسع لتشمل الجوانب السياسية، فيما يتعلق بطريقة معالجة بعض الملفات الداخلية، الامر الذي يظهر على شكل مناكفات، على المنابر الإعلامية، بغرض تسفيه الاراء السياسية، للطرف الاخر، باعتبارها تفتقر للنضج، وتسهم في تفاقم الأمور، عوضا من حلها.

المقاطعة، تشكل احد الاوراق الضاغطة، على الخضم لرفع رأية الاستسلام، والاستعداد للجلوس على الطاولة، بغرض تقديم بعض التنازلات، لاسيما وان المقاطعة الاقتصادية، تجعل هامش المناورة محدود للغاية، اذ يحاول الخصم البحث عن الثغرات، للتقليل من الاثار المترتبة، على تضييق الخناق، فتارة عبر المكابرة بعدم التأثر بالمقاطعة المفروضة، وتارة عبر البحث عن حلفاء سواء في الداخل او الخارج، لكسر طوق المقاطعة، بيد ان الفشل في التخفيف من اثار المقاطعة، او الاخفاق في إبرام تحالفات، تدفع الطرف المتضرر، لمحاولة التفاهم عبر المفاوضات المباشرة، ومحاولة عدم تقديم الكثير من التنازلات.

التعويل على سلاح المقاطعة، لإخضاع الطرف الاخر ليس مضمون النتائج، لاسيما وان البعض يمتلك من الارادة والصمود، ما يحدث صدمة ومفاجأة للطرف المقابل، فالخصم يتحرك في الأيام الاولى، لامتصاص الصدمة، ومحاولة التأقلم التدريجي مع الوضع الجديد، من اجل رسم استراتيجية مضادة، وقادرة على تحويل المقاطعة، الى عنصر قوة، والبحث عن نقاط القوة الداخلية، ومحاولة استغلالها بالشكل الإيجابي، الامر الذي يمهد الطريق للاستفادة من الموارد الذاتية، بغرض تحقيق حالة من الاستقلالية، لتحقيق واقع مغاير عن المرحلة السابقة.

الصمود وعدم الاستسلام، عناصر أساسية في تحويل سلاح المقاطعة، الى حالة إيجابية، فاليأس الذي يحدثه الصمود الأسطوري، يدفع صاحب سلاح المقاطعة، لاستخدام بعض المناورات السياسية، لكسب الرأي العام، تفاديا للاعتراف بالهزيمة، حيث يسعى لتصوير التنازل عن بعض الشروط، او الغائها بشكل كامل، كونها مبادرة إيجابية، تنم عن حسن النية، وفتح صفحة جديدة، قائمة على نسيان الماضي، والاحترام المتبادل.

كاتب صحفي