ترشيد الانفاق
فرضت القيمة المُضافة، وزيادة أسعار الوقود، والطاقة الكهربائية، واقعا جديدا على الثقافة الاستهلاكية، فالنظرة الاستهلاكية الجديدة، ستكون مغايرة تماما عن الانفاق السابق، اذ باتت الاسر حريصة على تحديد الاولويات، بما يحافظ على المستوى المعيشي المقبول، خصوصا وان التضخم المرتبط بالزيادات الجديدة، بات ملموسا منذ مطلع العام الجاري، حيث سجلت غالبية السلع ارتفاعات متفاوتة، تبعا للقيمة السوقية السابقة، لمختلف السلع الاساسية والكمالية.
الانفاق غير المقنن، التي تتسم به المرحلة الماضية، سيكون صفحة مطوية من التاريخ، مما يفرض وضع اليات مختلفة، للتعاطي مع الواقع الجديد، خصوصا وان غلاء المعيشة سيكون أمرا ملموسا، سواء بالنسبة للأفراد او الاسر، بمعنى اخر، فان التحولات الاقتصادية الكبرى التي يعيشها المجتمع، ستعيد صياغة التركيبة الاجتماعية، وفقا للمتغيرات الاقتصادية، مما يستدعي وضع جميع الخيارات والاعتبارات، لمواجهة سياسة ربط الأحزمة، ومحاولة العبور من المرحلة الحرجة، باقل الخسائر، لاسيما وان هناك تقارير غير مشجعة، تتناول الفترة القليلة القادمة.
لا ريب ان مرحلة التحول من نمط استهلاكي، معتمد على الانفاق غير المدروس، الى طريقة استهلاكية تتسم بالترشيد، ستكون صعبة على العديد من الاسر، مما يتطلب نوعا من القدرة على الصمود، ومحاولة التأقلم، خصوصا وان بعض الاسر ستواجه بعض المصاعب، في عملية الانتقال من مرحلة لأخرى، الامر الذي يستدعي توطين النفوس على تحديد الاولويات، وتقليل الانفاق على السلع غير الضرورية، وغير الاساسية، بهدف مواجهة موجة الارتفاعات، التي بدأت تطل برأسها، بمجرد تطبيق ضريبة القيمة المُضافة، اذ لم تعد الرواتب الشهرية قادرة على تحمل فواتير النفقات ”الحاتمية“ السابقة التي سيطرت على ميزانيات الاسرة، في السنوات السابقة.
ان ترشيد الاستهلاك، سيكون العلامة الفارقة في المرحلة القادمة، فالأسر التي تتجاهل تحديد الاولويات، ستجد نفسها في موقف لا تحسد عليه، لاسيما وان الالتزامات المالية، ستتجاوز كثيرا المبالغ المخصصة، لتسديد الفواتير، مما يعني ان تخفيض عمليات الشراء غير الاساسية، يبقى مطلبا ملحا، وغير قابل للتفاوض او التأجيل، الامر الذي يؤسس لتشكيل ثقافة جديدة، تعتمد على رسم ملامح الانفاق، بما ينسجم مع الميزانية، بيد ان ترشيد الانفاق، لا يكون على حساب تأمين المستوى المقبول للرفاهية، وتوفير أسباب الحياة الكريمة، وفقا للإمكانيات المالية لدى الاسر.
المجتمع يمر خلال هذه الفترة، بمرحلة مخاض عسيرة، فالضغوط الاقتصادية المرتبطة بتبدل النمط المعيشي، لم تعهدها الاسر خلال العقود الماضية، ستكون واضحة للعيان خلال الفترة القادمة، لاسيما وان الدولة كانت تتحمل جزء من تكاليف المعيشة، مثل دعم الطاقة الكهربائية، بيد ان رفع الدعم عن الكثير من السلع، سيخلف بعض الآلام على الكثير من الاسر، من ذوي الدخل المحدود والدخل المتوسط، بخلاف الاسر ذات الدخل المرتفع، التي لن تتأثر كثيرا جراء الاجراءات الحكومية الاخيرة، وبالتالي فان المرحلة الحالية، تستدعي التسلّح بالادوات اللازمة، لتجاوز مصاعب التضخم، الناجم عن رفع الدعم عن الوقود، والبنزين وتطبيق القيمة المُضافة، اذ يشكل الترشيد السلاح الفعّال، للتغلب على المصاعب المالية، المرتبطة بالتحولات الاقتصادية، التي تشهدها البلاد.