آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 5:53 م

نار وغضب

محمد أحمد التاروتي *

اثار كتاب ”نار وغضب“ الكثير من اللغط، منذ صدوره يوم الثلاثاء الماضي، في الولايات المتحدة، خصوصا وان صفحات الكتاب تسلط الضوءعلى الجانب الخفي، للرئيس الامريكي دونالد ترامب، بحيث أحدث موجة غضب لدى ادارة البيت الابيض، نظرا للمعلومات المثيرة التي سطرها الكتاب، والتي تتحدث بنوع من التهكم، على القدرات العقلية للرئيس الامريكي، فالكتاب يصف ترامب بالطفل المدلل، الذي ينتظر الإطراء من الاخرين، فضلا عن الية اتخاذ القرارات، التي تتسم بالتسرع.

بغض النظر عن مصداقية او عدم مصداقية، المعلومات الواردة في الكتاب، فان الضجة الكبرى التي تزامنت مع التسريبات الاولى، قبل نشر الكتاب بشكل رسمي، يعطي القدرة الفائقة التي تتركها الكلمة، في صناعة الرأي العام العالمي، الامر الذي يفسر الجهود الكبيرة التي بذلها الرئيس الامريكي، لاصدار قرار لمنع نشره في أمريكا، من خلال اللجوء الى القضاء، لاصدار حكم بايقاف طباعة الكتاب، نظرا لما يمثله من تهديد للامن القومي، وتسريب معلومات ذات علاقة، بشخص الرئيس ترامب.

المعركة التي سبقت صدور كتاب ”نار وغضب“، بين المؤلف مايكل وولف وادارة الرئيس الامريكي ترامب، تكشف الخضوع لسلطة القانون بين الطرفين، فالطرفان اتخذا مسار القانون في الانتصار لحقه، اذ لم يلجأ ترامب باعتباره اعلى سلطة تنفيذية، في البلاد للتجاوز، على القانون لمنع الكتاب، مما يعزز من سلطة النظام امام الجميع، وبالتالي فان الجميع سواسية امام القانون، بمعنى اخر، فان القانون واجب الاحترام من الجميع، بعيدا عن اعتبارات المناصب التي تحتلها.

بالاضافة لذلك، فان صدور كتاب ”نار وغضب“، بما يحمله من معلومات، تتناول شخصية الرئيس ترامب، يكشف الجانب الاخر من الاهتمامات، لدى بعض اصحاب القلم في تناول القضايا الساعية، لانتقاد السلطة التنفيذية، من خلال وضع النقاط على الحروف، وإماطة اللثام عن الجانب المستور، من حياة اعلى سلطة تنفيذية في البلاد، بغرض إيصال جميع المعلومات للمواطن، وبالتالي التحرك لتصحيح المسارات الخاطئة، التي تمارسها النخب الحاكمة، بمبررات متعددة.

يكشف كتاب ”نار وغضب“ النقاب عن الدور الحقيقي، للنخب المثقفة والمتمثل، في ممارسة مزيد من الرقابة، على السلطات التنفيذية، والابتعاد عن خداع المجتمع، عبر استخدام القلم، في قلب الحقائق رأسا على عقب، فالنخب الثقافية مطالبة، باتخاذ مواقف صادقة مع الذات، ومع البيئة الاجتماعية، من خلال استخدام الكلمة الصادقة، لإيقاظ المجتمع من التنويم المغناطيسي، الذي تمارسه بعض السلطات الحاكمة، لتمرير بعض المخططات، التي تسير في الاتجاه المعاكس لمصالح الشعوب.

كتاب ”نار وغضب“ يعطي نموذجا واضحا، طريقة التفكير التي تحرك بعض الكتاب الغربيين، في التعاطي مع القضايا العامة، فالكتاب لا يتحرك من مبدأ النقد بغرض التجريح، بقدر ما يمثل اتجاها فكريا، لدى شريحة من النخب الفكرية، التي تحاول الانعتاق من طوق المدح والتبجيل، التي تؤطر حياة بعض النخب الثقافية، على المستوى العالمي، اذ لا يقتصر الكذب على النخب الفكرية في الدول المتخلفة، بل يسرى الامر على بعض النخب في البلدان، التي تتمتع بهامش حرية كبير.

كاتب صحفي