التدبير نصف المعيشة
وقف يحمل بين يديه فاتورة الكهرباء قد أرهقت عاتقه، وسلبت تفكيره، وجعلته مغتماً، قد فارقت الإبتسامة شفتيه يبحث عن من يساعده في تخفيف حملها ولو بالشيء اليسير. فاتورة تجاوزت ألفي ريال في طريقها لتلتهم ثلثي راتبه مع بداية الشهر بعد أن استنفذ الفرص المتاحة له من الجمعية في مساعدات الإيجار والكهرباء وغيرها من المعونات حسب الضوابط والإيرادات.
استنكر عليه من حوله الاستهلاك المفرط للكهرباء ونصحوه بالترشيد.. أطرق برأسه خجلاً وبعد صمت رد عليهم بصوت حزين في هيئة من لاحول له ولاقوة وماذا أفعل إذا كان الأبناء عاطلون عن العمل وكل منهم في غرفة خاصة وأجهزة التكييف لاتعرف الراحة إلا بعد الظهر؟!
ذلك ماهو إلا جزء من سيناريو المعاناة التي لاتتوقف عند الإفراط في استهلاك الكهرباء بل تمتد إلى باقي الخدمات من ماء واتصالات ووقود ومصروفات أخرى قد نالت نصيبها من الزيادة وضريبة القيمة المضافة مع إطلالة العام الميلادي 2018. هذه الزيادات والتحديات التي تواجهنا في الأيام القادمة تُحتم علينا إعادة النظر في أسلوب ونمط حياتنا لنكون أكثر وعياً للتخطيط الجيد وحسن التدبير، والتحكم في الاستهلاك والمصروفات، والبعد عن الإسراف والتبذير، والتركيز على الأساسيات والتخلي عما يمكن التخلي عنه من الكماليات، مع الاستمرار في استراتيجية الاقتطاع الجزئي والإدخار الشهري. الكثير قد سجل في حساب المواطن ليحصل على الدعم لمواجهة الزيادات المرتقبة وهذا الحساب أيضا بحاجة إلى حسن التدبير والإدارة فهو ليس رزقا فائتاً يهدر ويوزع عند استلامه أو أن يكون سببا في انفصال الزوجين عن بعضهما بسبب الخلاف على تقاسمه.
تأثير ارتفاع الأسعار ليس فقط على الطبقة الفقيرة وذوي الدخل المحدود وإن كان نصيبها أكبر من غيرها، بل بدأ مفعوله يسري مع مختلف طبقات المجتمع من خلال الرسائل التوعوية والتثقيفية والعصف الذهني لتوليد الأفكار المتعددة التي يمكن تفعيلها للترشيد وحسن التدبير فكما يقال «التدبير نصف المعيشة». ربما يتداول البعض صوراً لبعض الأفكار من باب التسلية أو السخرية أو أغراض أخرى كتلك التي تحث على المشي أو استخدام الدراجات الهوائية أو الحمير، أو التجمع والنوم في غرفة واحدة، أو الوضوء بقارورة ماء صغيرة.. إلخ. القائمة تطول ولكن الأمر لايستدعي السخرية والاستهزاء وعلينا التكيف مع الوضع الراهن وشكر النعم قولاً وعملاً والحفاظ عليها لكي لانحرم منها فالله عز وجل يقول: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾.
حسن التدبير مطلب لايقتصر فقط على الفقير المحتاج بل حتى الغني، وهو لايعني البخل فأبلغ وصف له ماورد في الآية الكريمة: ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا﴾. كما أن حسن التدبير ليس مسؤولية رب الأسرة فقط بل أن الزوجة والأبناء يلعبون دوراً كبيراً في هذا الجانب ويمكنهم أن يساهموا بشكل فاعل في التحكم في ميزانية الأسرة إذا مااستشعروا الظروف الاقتصادية الراهنة وتشكلت لديهم قناعة في التغيير والتعاون مع رب الأسرة في ترشيد المصروفات الأسرية حتى وإن تطلب الأمر تفعيل الحوافز والمكافآت لهم حسب الفاعلية في التوفير. ومما يساعد على حسن التدبير تجنب الزيارات المفتوحة للمجمعات التجارية بدون تحديد الهدف والاحتياجات، وعدم الجري خلف العروضات والتخفيضات المغرية والإعلانات الترويجية عبر السناب شات وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي، وعدم الوقوع في شراك المسوقين المهرة سواء استدعت الحاجة أم لا. ومن جانب الخدمات فقد ذُكر بعض الأفكار أعلاه بالإضافة إلى الكثير من الأفكار المنتشرة التي يمكن تطبيق مايناسب منها لكل أسرة.
ولربما هذه الظروف تنجح في تغيير قناعات لم تكن لتتغير عبر الزمن عند الكثير من الناس كالتوجه لمفهوم الزواج العائلي وترشيد تكاليف الوجبة وغيرها، وكذلك العزوف عن تقديم الوجبات في مجالس العزاء، وغير ذلك مما يشكل عبئا اقتصادياً يمكن الاستغناء عنه أو ترشيده.