حكايةُ أمي والحسين
فتحت عيني على الحياةِ وأمي شابةٌ سمراءَ فارعةَ الطولِ عريضةَ المنكبين لم أعرفِ الكلماتِ حينها لكنني أسمعها تقولُ كلمةً من ستةِ أحرفٍ هي ”الحسين“.
كُلَّ يومٍ تغيبُ في الصباحِ والمساء تأتي بعدها وأطرافُ الرداء معقودةٌ في ثُلَّةٍ من نساءها كالحورِ في المساء تَحلُّ أطرافَ الرداء خذ هذه من ”الحسين“، لم أعرفِ السرَّ ولكنْ مذاقها يعجبني وكانت بدايةُ العشقِ وحبِّي ”للحسين“.
كَبُرت أمي ولم تعُد تحملها قدماها النحيلتين لكنها كالخُشف تجري يومَ مولدِ ”الحسين“ كَبُرت صويحباتها وأصبحن كالثلج أبيضٌ ليس في وجوههم تجاعيدُ الزمان والسنين فهمتُ حينها أنهم عشقواً شخصاً واحداً كلهم قطعوا أيديهم في حبه وأسموه ”الحسين“.
قررتْ أمي في ديسمبر 1995 أن ترى ”الحسين“ ودعتها على عجالةٍ ومضت في طريقِ كربلاء لم تعد بعدها وعادت النساءُ دونها بالخبرِ الحزين أخبرنني بموتِ أمي بكيتُ حينها هنيهةً ثم ابتسمت لم يعرفِ الناسُ معنى الابتسامةْ لكنهم فهموا سر البكاء واللوعةِ والحزن والحنين، بكيتُ لفقدها لكنني فرحتُ أنها التقت معشوقها ليسَ أبي لكنه سِرُّ ”الحسين“.
يممتُ قبرها العام وما قبله من السنين ألثمُ تربها أبحث عن رداءها القديم أسالها إن التقت بعد موتها ”الحسين“ لم تجب ولم يجبني صدى قبرها أو رنين. فهمتُ من عدم الجوابِ أن السكوتَ والرضا صنوانُ عندما تُسأل البِكرُ عن الزوجٍ الأمين. هممتُ بالرحيلِ بعدها وإذ هاتفٌ يهتف بي أيها الصبيُّ أيها المسكينْ، قضَيتُ عمري أبحثُ عن سِرِّ ”الحسين“ لم أجِدهُ في الحياة وجدتهُ بعد الممات!
وجدتهُ كنزاً وجدته صيداً ثمين قمْ واكتشف سر "الحسين" سر الحياة، سر الممات سر المعاد إنه السر الدفين.