آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 3:01 م

بثينة اليتيم: الشعر ليس خلاصا ما لم يرتبط بشخصية متحررة

جهات الإخبارية زكي الصدير - صحيفة العرب

أعلنت لجنة التحكيم في مهرجان «بيت الشعر» في دورته الثالثة نتائج مسابقة الكتاب الأول في ديسمبر الماضي، حيث ذهبت الجائزة الأولى للشاعرة السعودية الشابة بثينة اليتيم عن مجموعتها «سأعيد للقدر مكيدته فيما تم حجب الجائزتين الثانية والثالثة.

صحيفة «العرب» توقفت مع الشاعرة اليتيم بمناسبة فوزها في حوار عن تجربتها وعن بعض القضايا الثقافية التي تشغل جيلها.

بثينة اليتيم - سأعيد للقدر مكيدتهاختطفت مجموعة «سأعيد للقدر مكيدته» للشاعرة السعودية بثينة اليتيم المركز الأول في جائزة «بيت الشعر» للإصدار الأول في دورته الثالثة التي حملت اسم علي الدميني في ديسمبر 2017، وهي المجموعة التي صدرت مؤخرا عن دار مسعى بالتعاون مع جمعية الثقافة والفنون بالدمام.

جائزة عدّتها ضيفة «العرب» دافعا لتكون كما تحب أن يقتضيه وجودها، فهي بعدها ستمارس هوايتها في الشعر لترى ما ينتجه ذلك من جديد.

وتقول بثينة اليتيم عن حصولها على الجائزة «في مساحة حملت إثم ظنها بأثري واضطهدت كلمتي واختلافي، جاء الفوز بيانا صارخا وعنوانا فخريا لي بأنني هنا، أرى العالم من نافذتي، وأنت تراه من نافذة أخرى، لكنه العالم ذاته، وأن الخطأ لا يكمن أبدا في موقعيّة الرؤية، بل بإغلاقك مجال رؤيتي كي أرى العالم بعينك فقط».

إ

رث المعاناة

بداية تحدثنا بثينة اليتيم عن مناخات «سأعيد للقدر مكيدته»، قائلة «على نحو مختصر ’سأعيد للقدر مكيدته‘ هو سقوط نهاريّ فاضح، فعل ارتطام للوح مرايا شاسع عليه انعكاسات الحياة في عبورها، هكذا هو في العديد من صوره المتحطمة، وحين تقف على متاهاته الشعورية مجموعة سخية بقلقها، بهلعها، ولكنها تحتفظ بإشارة مرجعية للقارئ، هي صورة الأب وعذابات الأم».

وتسأل «العرب» اليتيم عن نصها الذي جاء ميالا لتكثيف الحالة الوجودية المحاطة بالفجائع والحسرة ومفارقات عديدة لوقائع الألم، حيث هو نص متشائم، لا يرى في الأفق إلاّ الظلام، ولا يشاهد من الشمس إلاّ غروبها، فلا سبيل يتأمل، ولا أمل ينتظر، كما يباشر القارئ في نصوص أخرى حالات عالية من التصوّف التي حملت مفردات ذات دلالة كونية متسالمة مع الذات.

عن هذا التصور تعلّق بثينة بالقول «بواقعية شديدة، وبعيدا عن التشاؤم، الأصل في الوجود الإنساني هو هذا ‘الشقاء’، نحن نحمل منذ ساعة الميلاد إرث المعاناة، فكلّ أثر مشهديّ لي في النص هو استنطاق للحالة الشعورية لهذا الإرث، ففي المرّات الكثيرة التي استطعت فيها أن أفتح السياج وأنسلّ هاربة كجنديّ أعزل من الهزيمة، كنت أحمل أثناءها نعشا بيد، وشعلة باليد الأخرى، لذا حتى وإن كانت نكبة الوجود هي اللغة الأصل وهي اللغة الأبلغ، ومحاولة الكتابة ليست إلاّ اشتقاقا وتصريفا آخر لها، إلاّ أني برغم هذا لا أزال في مسّي الكتابي أحب أن أشاكس المناطق البعيدة في ذاتي كي أصل إلى جوهر الأشياء».

وتعترف اليتيم بأنها «ممتنة جدا لكل بسملة ألم تعبّدتْ في روحي، وأشفق من قراءة آياتها قلبي، من حالة فقد أو صراع أو أي تكوين واقع ومبتلى به إنساني، وانتهت بسورة من مضامين عالية حملت فكري إلى مكان أسمى وأكثر نضجا ووعيا، سأرى الكون وهو يتّسع وهو يضيق، وسأداهمني بشمس أو سأطفئ القمر وأنام».

بثينة اليتيم - سأعيد للقدر مكيدتهوتقول شاعرتنا في نص من مجموعتها حمل عنوان «مكيدة الرجل»، «الأولياء على سنة النقص، المتصدقون بأعراس الموت، شهداء على لهاث الغرزة»، هذا النص مع نصوص مجاورة كان لها نفس الحمولة الثقافية إزاء نسقية المجتمع الذكورية في السعودية، الأمر الذي جعلنا نطرح سؤالا على ضيفة «العرب» عن الحدود التي من الممكن أن يكون الشعر فيها خلاصا، وهل تستطيع الشاعرة أو الشعر تقديم شيء بأي مستوى من أجل الخلاص من الأنساق الثقافية القائمة؟

وتجيب «بداية أنا أحترم هذا الكيان الضبابي والجميل حقيقة بضبابيته، أحترم الرجل جدا وأشير إليه بوقار، ولا أزال متشبّثة بذراعه، وأعيش في حالة سلمية عالية معه، لأنني أعيه بكليته ويعيني بالمثل، ومن الإنصاف أن أقول بأن هناك شريحة كبيرة جدا لها مدارها العقلي الموزون، والذي مكّنها من تجاوز النمطية السائدة والعناوين الصنمية مع المرأة، لكني سأتحدث هنا بشكل خاص عن شريحة أخرى، فأنا أملك موقفا آخر حين يتمّ إقصائي أو إعاقة حرّيتي الشخصية والمكفولة لي من جهاتها المعنية».

مشاكسة الأخيلة

تتابع بثينة اليتيم في الشأن نفسه «بشيء من اليأس والألم حملت مرة وزر اضطهادي وكتبت ’سيقطع نزاعكم موتي، وستتعرّفون على ضعفكم وفشلكم وتبعيّتكم المقيتة، وجبن الحياد، سيعلم كل متديّن هلامي منكم أنه حين تستدعيه نقيصة نفسه لقوامته عليّ بأن السيادة هي أن تسود ذاتك وتطهّرها في خلوتها، ستعلم أنت تحديدا بأنك أقحمت ظنونك اللعينة في بهائي، وأن هذا الانتقام لذاتك المتمثّل بالقطيعة معي هو كل إرثك، أنت لاشيء‘، في مجتمع له تبريراته العرفية ومتأهب دائما لامتطاء صهوة الدين وتطويعه ضدّ أي صورة جديدة تتجاوز مألوفه، المذعور من صوره الذهنية تجاه المرأة، والمؤدلج على الإيمان بمحدودية دورها وانتقاص وعيها».

وترى أن الشعر وحده ليس خلاصا ما لم يرتبط بشخصية متحرّرة من همّ التظلم والأسى من هيمنة هذا النسق والانطلاق داخل آفاق ملكاتها وإدراك رؤاها، إذ تقول «نعم أكتب لكني لا أقف، ولن أقف في موضع الندّ منساقة لمجتمع نسوي متشظ بفعل الذكورة منشغلة به عن ممارسة تجربتي الحياتية بكل معطياتها، من الحكمة أن أهتم بتحقيق ذاتي، وأن أمضي في طريق نجاحي من أن أحمل همّ إثبات أن الطريق يتّسع لي».

وتؤمن الشاعرة السعودية الشابة بأن «كلينا» أي الذكر والأنثى، يملك من الهبات الربانية ما يمكنه أن يمارس حضوره الإنساني برغم كل المعوقات، وتوضح «لذا أنا مهتمة بتحقيق معناي كهم أول، وهذا لا يعني أنني لست واقعة تحت هذا الرزء، فأنا كأي بنت محاربة من أنساق فكرية ملوثة وموروثات معنية باتهامي في خطابها العام، إنما ما أعنيه هو أنني في هذا الجانب منشغلة بذاتي فقط عن التورّط في إشكالية لم ولن تحل».

وخلال حوارنا عن المشهد الشعري الشبابي توضّح اليتيم بأنه ليس إلاّ امتدادا لمشهد شعري لشعراء كانوا شبابا في زمن سابق، مع فارق معطيات بيئة وأحداث كل جيل وتأثيراتها على نصوصه الشعرية، فلكل جيل شبابه المتوجّس، وتشير في حديثها إلى أن هذا الجيل منكوب بتبعيته للهويات المتصارعة، فهو منكوب بالصمت حيال القضايا السياسية لاعتبارات عدة.

وترى اليتيم أن «هذا الجيل الشبابي حمل خيبة هذا الأمر وخذلانه للقضايا برمّتها وخجله من صمته، إلى تصريف آخر ووجهة أخرى، واشتغالات أكثر ذاتية في النص، فصار يحلّق في سماء أناه، ويهبط على أرضها، ويلتقي ذاته حين لا يكونها، ويرصدها في أنا أخرى ثم في برهة صحو يضيق بها، فنراه قاسيا جدا في وصفيّاته لها».

وتضيف «هذا الجيل أصعب في مشاكسة أخيلته، وأسئلته، وقلقه الوجودي وأكثر جرأة في مغامراته وأكثر بؤسا في متاهات وعلل الأشياء، لكن أيضا، وفي أحيان كثيرة هو منساق لوهم الثقافة والمنجز الشخصي».

وتتابع بثينة اليتيم في الشأن نفسه، عاقدة مقارنة بين جيلين شعريين «التمازج بين الجيلين، القديم والجديد، واستيعاب الحالة الشعرية للجيل الحديث من قبل من سبقه، يخلق حركة ثقافية أكثر انفتاحا وتطورا وتنوعا، لا يمكن أن يكون لدينا هذا النوع من العقوق تجاه جيل سابق كان ولا يزال يثري حاضره الأدبي، أو أن نخلق ساحة نزال يبقى فيها من ينتصر، فلكل جيل اشتغالاته وهمومه على النص وليس بالضرورة أن يكون الجيل الحديث على طرف نقيض من الجيل السابق، المسألة ليست تعاقبية بقدر ما هي بلورة لرؤى فكرية جديدة».