آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 4:17 م

لقمان

لم يُرْزِقُوْهَا بِعَقْلٍ حِيْنَما رُزِقُوا

لَكِنَّهم رُزِقُوهَا بالمقاديرِ

لو كان عن قوة ٍ أوعنْ مغالبة ٍ

طَارَ البُزَاة ُ بِأَرْزَاقِ العَصَافِيْرِ

عَمِلَ لدي لقمان، سباكٌ في الثلاثينَ من عمره بشرةٌ بيضاء من أقليم البنجاب في باكستان. أريحيةُ لقمان لا تتناسب مع قدرته على التركيز في جودةِ عملهِ الذي يصيبك بالندم على استئجاره ولكن لقمان فخورٌ بما أنجزه في حياته. أخذته في رحلةٍ لجلبِ أدوات السباكة التي نسي معظمها عند وصوله مكان بيعها ولكنهُ أخذني في مكنوناتِ عواطفهِ وأوجاعَ حياته وأفراحها.

كان والد لقمان مزارعاً في الاربعيناتِ من عمره ومتزوجاً من امرأتينِ أنجب منهما خمس بناتٍ وثلاثة أولاد. كان يجني من المزرعةِ محصولاً وافراً يبيعه كُلَّ يومٍ في السوق المحلية. تبعد المزرعةُ دقائق عن مسكنهم ويكفي والد لقمان أن يذهب بالدراجةِ دون حاجةٍ إلى سيارة. كان يقود دراجته ببطء ويستمتع بمنظر المزارعِ التي يمر بين أعطافها.

بكى لقمانُ وهو يحكي ما جرى قبل حوالي العشرين سنة. كان والده يقود دراجته وقطعت طريقه شاحنةٌ ارتطم بها، حطمت رأسهُ ومات. كان لقمان في السادسةَ عشرةَ من عمره يلعب ويمرح في شوارع القرية ومراحل الدنيا ومصاعبها لم ترتسم أمامه بعد. جاء شخصٌ وقال له يا لقمان مات أبوك. لم يصدقه لقمان ولامَ الشخص على ما نقل من سيء الاخبار. بدت خارطةُ الحياةِ قاتمةً من خلالِ عينه الدامعة حينها.

مشى لقمان إلى الدار غريب المشاعر ضبابيَ المستقبل غريباً في هذا العالم. كان أكبر أخوته ولابد له من حمل ما ترك أبوه من ثقل الأسرة. أستثمر في المزرعةِ ولكن لا تختلف الأرضُ عن الحيوان والإنسان فاعتلت وتهالكتْ بعد موتِ صاحبها الذي كان يرعاها. اختلف الاخوةُ فيما بينهم ولم تعد المزرعةُ تكفي ما تحتاجه العائلةُ من فاتورة الحياة. ماتت الارضُ إلا قليلاً من الحشائشِ والخضروات.

توجه لقمان نحو المجهول في الغربةِ القاسيةِ الموحشة وفارق سحر وطنه مملوءً بأحلامِ الغنى والثروة. جفت دمعةُ لقمان حين كان يقص ما أكملَ من تزويجِ كل أخوته سوى صغيرهم المزهو بالحياة. تزوج لقمان وأنجبَ ولدين أكبرهما عبد الصمد في الثالثة من عمره وصار يناديه ويشده كي يعود إلى أهله وخلانه ويستقر به نوى السفر ويصلح الارض التي تترقبه ويحييها قبل أن يصل هزيع عمره الأخير.

أكمل لقمانُ عمله البائس أمسٌ ونظرت لما صنعه في حياته وكيف أتى وعمل وزوج وحمل متاعب الحياة باكراً ولم يمت مع ضعفه. ليس لقمان من يعجبك عمله ولو كان الغِنى والمال والرزق مقسموماً بيدٍ بشريةٍ لأصاب منه لقمان القليلَ ولكنَّ هذا الكون ترعاه عينُ الإلهِ الذي يهب مع كل ضعفٍ قوةً وحيلة. يساورنا الغنى ويخيفنا العوز وننسى أنَّ "اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ"  شرطَ أن نحقق ما طلبه منا ﴿فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ? وَإِلَيْهِ النُّشُورُ.

مستشار أعلى هندسة بترول