آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 4:17 م

ثقافة التجويع

محمد أحمد التاروتي *

التجويع سلاح ذو حدين، فتارة تكون اثاره الاستمرار السيطرة، واذلال الرقاب لسنوات طويلة، جراء حاجة الاخرين الى لقمة العيش، مما يجعل اباطرة المال في موقع اجتماعي متقدم، وقدرة على فرض الارادة على الشريحة الواسعة، من اصحاب الدخل المحدود والفقراء، اذ يستغل الأغنياء سلاح المال في تحقيق المآرب الاجتماعية، والسياسية وإشباع النزوات الذاتية، فضلا التلذذ بإجبار الاخرين على الخنوع والانكسار، وتارة اخرى يكون التجويع ووبالا وشرارة، لزعزعة كرسي اصحاب النفوذ، جراء الثورة المعاكسة لتغيير الواقع الصعب.

عملية التحكم في سياسة التجويع، تكون في البداية سهلة وممكنة، بيد انها مع اشتداد الأزمة، تتحول الى كابوس يصعب السيطرة عليه، خصوصا وان انتشار الفقر يقود لانتشار الجريمة، واستشراء الفساد، وانعدام الضمير، في مختلف المعاملات اليومية، مما يخرج التجويع من المسار المرسوم، والمتمثل في كسر الرقاب، وممارسة مزيد من التسلط والقهر.

يدرك اباطرة المال قوة الاقتصاد، وقدرته على اختراق الحدود، وامكانياته الواسعة، في قهر بعض الإرادات، والاصوات العالية، الامر الذي يدفع بعض الأغنياء، لاستخدام هذا السلاح، لمصالحهم الشخصية، او الوصول للسلطة السياسية، الامر الذي يفسر استخدام التجويع، للوصول الى تلك المآرب، لاسيما وان الجوع كافر، ويصعب تحمله لدى الغالبية العظمى من الناس، مما يدفعها لتقديم التنازلات، في سبيل تأمين لقمة الخبز اولا، ومحاولة استرضاء اباطرة المال ثانيا، باعتبارها احدى الوسائل لتخفيف الحصار الاقتصادي.

التجويع اثبت قدرته على اسكات الاصوات الرافضة لسنوات قد تطول او تقصر، تبعا لقدرة المجتمع على التحمل، بيد ان الانفجار في وجه اباطرة المال قادم لا محال، لإنهاء سياسة التجويع الظالمة، خصوصا وان عملية التحمل والصبر، تتطلب قدرة ليست متاحة للجميع، فضلا عن خروج أصوات، تطالب بالقضاء على البؤس، والذل الممارس منذ سنوات، مما يمهد الطريق امام الثورة المضادة، لإنهاء نفوذ وسلطة المال، والانعتاق من حالة العوز الى البحبوحة.

على النقيض تماما، فان التجويع يكون وبالا على ممارسيه، فالخطط المرسومة لإخضاع الاخرين، والاستيلاء على أملاكهم، وقتل روح الارادة في سبيل الاستمرار، بالتربع على رقاب الاخرين، تلك الخطط سرعان ما تسقط نتيجة التحركات السريعة، والمقاومة لسياسة التجويع، فالسلاح يتحول الى سبب في قتل اصحابه والقضاء عليهم، مما يستدعي توخي الحذر في انتهاج، مثل هذه الممارسات التعسفية، وغير الاخلاقية، التي تحدث اختلالا اجتماعيا في توزيع الثروة، الامر الذي يحفز على الانقلاب على الواقع البائس، لأقساط الأصنام البشرية، التي تحاول اجبار الاخرين، على تقديسها تحت وطأة العامل الاقتصادي، والتحكم في لقمة العيش.

استخدام التجويع لعبة قذرة، فهي تتنافى مع القيم الانسانية، فضلا عن الاخلاقية، لاسيما وان الجهات الداعمة لمثل هذه الممارسات، تجعل في اعتبارها تحقيق الرغبات الذاتية، واحيانا رغبات الاخرين، دون النظر للآثار الناجمة عن تلك السياسية، سواء الجسدية، او الاجتماعية، والسياسية، فضلا عن الاقتصادية، لاسيما وان الشعور بالقوة يدفع البعض للسير قدما، في اتجاه حرمان الاخر من الحصول على لقمة العيش، والعيش بكرامة، بعيدا عن الابتزاز بمختلف اشكاله.

كاتب صحفي