آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 5:53 م

عكس السير

عرفتُ رجلاً في الثمانينات من عمره، خلتهٌ أقصر من قامته الأصلية تحت ثقل السنين وكان عمل مع شركة أرامكو قبل وصوله إلى حَلقة العمر الذهبية. توفيت زوجته الأولى أو هكذا ظننت حيث كان يقص عليَّ تجربته مع الزوجة الهندية ووحدتِهِما معًا في المنزل ومصاعب تعلم لغة جديدة. كان الرجل يجلس بالقرب من مدخل المسجد يوم الجمعة ملاصقاً الجدار ليدس عصاه بجانبه فكان الكثير ممن يدخلون المسجد يمازحونهُ إن كان في الوقت سعة قبل أن تجتاح الناسَ حمَّى انعدام الأمن في المساجد!

رأيته ذات مرة في وليمة وكان قد سبقني بالوصول فجلستُ بالقرب منه وكان بقيةُ المدعوين يحضرون تباعاً. جاء رجلٌ في الخمسينات من العمر وأخذ في السلام على الحاضرين ولكنه عندما وصل لصاحبي انتحى جانباً ولم يسلم عليه وأخذ مجلسهُ. عندها سمعت الرجلَ العجوزَ يلعنهُ ويبصقُ ناحيته. تأملت وأقنعتُ نفسي أنه قد يحصل اختلافٌ بين الناس صغيراً أو كبيراً وينتج عنه هكذا ضغينة فلا بأس! ربما يصلحُ العطارُ ما أفسد الدهرُ. أصاب الداعي حرجٌ مما جرى بين الرجلين فتوجه بالحديث إليَّ وقال لا حول ولا قوة إلا بالله، أتعرفُ العلاقة بينهما؟ قلت لا، ولكني أعرف الكبير منهما، قالَ ذاك ابنه!

ليس محالاً أنه تناهى إلى سمعك أو بصرك ما يماثل هذه الحادثة أو أشدَّ منها أو أقلَّ وأنا لم ولن يكون لي علمٌ بما أوصل تلك العلاقة إلى عكس ما يجب تماماً، ماذا فعل الاب لابنه ليكون منبوذاً وماذا فعل الابن لابيه ليفقد ما استودعه الرب من الرحمة والحب ولكن هكذا تُكسر الحواجز والعلاقات ابتداءً من اللبنة الأساسية التي تماثل الأسرة ومن ثم البناء كله الذي يماثل المجتمع وبالتالي الحلقة الأوسع التي تمثل العلاقات بين المجتمعات والدول والتي يكونُ من الصعب ترميمها.

كان هذا مع أن الابن كان يعمل استاذاً مما يلزم أن ينقلَ تجاربهُ وسلوكهُ لمن بعده والاب ممن يحضر المسجد كل يوم ويتودد للكثير من الناس إلا من يجب أن يكون له الود. صدق من قال ”البيوت أسرار“ ولكنَّ ظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهندِ...

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
سامي الدبيسي
[ تاروت القطيف ]: 4 / 1 / 2018م - 2:16 م
شكرا لك استاذ هلال على الاسلوب الجميل والمضمون المفيد
مستشار أعلى هندسة بترول