شكراً معلمي
لا يخلو سجل كل شخص من عدد من المعلمين الذين انطبعت أسماؤهم وصورهم في ذهنه بل وفي قلبه منذ الصغر، ولايمكن أن ينساهم لمالهم من الفضل وعظيم الأثر الذي انعكس على شخصيته وحياته. ومع اطلالة العام الميلادي الجديد يطيب لي أن أتقدم ببطاقة شكر وعرفان لكل معلم علمني حرفاً أو رقماً أو خلقاً أو سلوكاً أو أي علم من العلوم.
هذه الفئة من المعلمين قد احترمت شرف مهنة التعليم وحملتها رسالة وأدتها بأمانة وإخلاص حتى استحقت ماقاله الشاعر أحمد شوقي: قم للمعلم وفه التبجيلا… كاد المعلم أن يكون رسولا. المعلم المخلص في عمله لاينتظر من يراقبه ويشرف عليه، وهمه أكبر من مجرد تقديم مالديه وتسطيره على اللوح الأخضر أو الأبيض أو عرضه على شاشة الكترونية بألوان براقة، وانتظار انقضاء الدقائق التي يمضيها أمام طلابه. هذا المعلم يَعتبر كل طالب هو بمثابة إبنه يُرغبه في الدرس، ويخلق بيئة جاذبة محفزة للتعليم، ويحرص على إيصال المعلومة بشتى الوسائل المتاحة. كما أنه يراقب الله في عمله ويؤدي مهنته بإتقان مبتغياً رضا الله عز وجل ومحبته وثوابه، حاملا حديث الإتقان والجودة في ذهنه ليكون مصداقا لقول رسول الله ﷺ:“إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه”.
إنه حقا يستحق بكل جدارة الاحترام والتقدير والتبجيل والتكريم وفاء لما قدمه خلال سنوات من
عمره دأبه الاحتراق كالشمعة، مقاسياً ومتحملاً الألم في سبيل إنارة عقول أبنائه، وسعة أفقهم، وتحقيق آمالهم. سعادته لاتوصف عندما يحل موسم جني الثمار وهو يشاهد الأسماء اللامعة والقامات والكفاءات - التي كانت بين يديه - ليكون لها دور بارز في تقدم وحضارة ونهضة الوطن في مختلف المجالات.
وبجوار هذا المعلم المتفاني يقف - مع الأسف - معلم آخر قد أساء لهذه المهنة والرسالة بتقصيره في أداء واجبه وإهماله وعدم كفاءته. همه الأكبر انقضاء الوقت الذي يمكثه بين أسوار المدرسة غير مكترث لشرح أو فهم أو تحصيل. وعندما يصل الأمر إلى هذا الحد من التسيب، وينعدم الإخلاص والأمانة، وتُنتهك القيم لايبالي هذا المعلم من أن يستخدم أسلوب التضليل والتخدير بمساعدة الطلاب لينالوا درجات متميزة ليغطي على سلبياته وتقصيره بغض النظر عن المخرجات المتوقعة والتحصيل العلمي.
هذه العينة من المعلمين وإن كانت نسبتها ضئيلة إلا أنها تعد خطرا قد ابتُليت بها بعض المدارس، وأصبحت تعكس صورة سلبية لاتتلاءم مع سمعة المدرسة وإدارتها ومنسوبيها. ربما يفرح الطالب وولي أمره بالنجاح إلا أن هذه السعادة لحظية تتجلى وتنعكس آثارها عندما يتنقل الطالب من مرحلة إلى أخرى، ويتخرج ويتولى وظيفة فتبدأ سلبيات التعليم تطفو على السطح. فعلى سبيل المثال منهم من لايسلم سطر واحد يكتبه من الكثير من الأخطاء الإملائية والنحوية الأساسية، ومنهم من لايجيد التعامل مع أبسط المسائل الرياضية، ومنهم من لايتمكن من تركيب جملة قصيرة باللغة الإنجليزية وغيره من المشاكل التي لم يتم التأسيس لها بطريقة صحيحة.
من باب كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ينبغي عدم المحاباة والمجاملة والتهاون مع هذه العينة السلبية من قبل المؤسسة التعليمية، وتكثيف الجهود لاختيار الكفاءات التي يمكن استئمانها على عقول الأبناء لكي لاتسيء إليها وتعبث بمستقبلها. ولايتوقف الحال على الاختيار فقط بل يلزم المراقبة والإشراف الدوري والتقييم للتأكد من أهلية وكفاءة هذه العينة واتخاذ الاجراءات اللازمة مباشرة. كما أن ولي الأمر ليس بمنأى من ذلك فالأسرة هي مكملة للمدرسة وعليها المتابعة والتواصل مع المدرسة للتأكد من التحصيل وعدم الاغترار والابتهاج بالدرجات التي قد لاتعكس الواقع والمستوى الحقيقي للطالب.