آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 4:17 م

الحِذاء

حجب الضبابُ الرؤيةَ ليلةَ البارحة ليلةَ بدايةَ السنة الجديدة ابيضَ كالثلجِ فكان خير جليسٍ نديمٌ تثقُ برأيه وتسكن إليه وهو ما بقي عندي من صفاءِ خمرِ السنينِ وخَلِّها. تذاكرنا دروسَ الماضي من الزمن وما صرنا فيه. لم يقدم لي التهاني والجُمَلَ الفاخرةَ واختصر كل ذلك في جملةٍ واحدة ”هي من العمر وعقبةٌ عبرناها. لم تكن 2017م الأسوأَ واكتفت بذهاب الجزء وبقاء الكل“. يفرح الناس بدخول سنة جديدة غير عابئين بأن سنةً ذهبت من اعمارهم!

درسه في كانون 2018م كان التالي:

الناس مشغولون بمعايشهم وأنتَ مخاطباً لي كأنما وجد رغبةً في الانصاتِ إلى كلامه، ربما لن تأخذك السنةُ تحتَ الماء أو ترفعكَ إلى السماء لكن هناك أشياءٌ تتحدى الجاذبيةَ الأرضية في معظمها فمتى ما ارتفعت تأخذ في الارتفاع ولن تهبطَ بعدها، هي فاتورةُ حياتك فوق هذه الارض. هل تتذكر أن سلعةّ ما كان سعرها أكثر من الان في السابق؟ كم سلعةٌ ارتفعت في مقابل تلك الواحدة.

اختزن في ذاكرته حلولَ فصلِ الشتاء في أوائل السبعينات حينها كان طفلاً أن الناس تتجمع لشراءِ ملابسِ الشتاءِ المستخدمة القادمة من الخارج بعضها بالٍ والاحذية التي عليك أن تجد الزوج منها ثم تشتريها. منظرٌ لا يصدقه أبناءُ اليوم ويظنون أنه من العصورِ الوسطى ولكنه قبل فورانِ النفط وضخه في شرايينِ ومسارح الحالة الاقتصادية بقوة. كان الفقير والغني يذهب للبزازِ قبل العيد بأيامٍ ويطلب منه قطعةَ قماشٍ تأخذها زوجته لامرأةٍ تخيطها. هكذا كانت كسوةُ النساء وإن كان الحالُ أفضل كسوةٌ أخرى في لوازم المناسبات.

بعدها نسيَ الناسُ كل فنونِ التوفيرِ والإنتاجِ والاقتصادِ الشخصي واعْتُمِدَتْ نصيحةُ ”اصرف ما في الجيبِ يأتيك ما في الغيب“. امتلكنا الساعةَ الراقية ولم نراعي الوقتَ والبيتَ الواسعَ ثم اسكناهُ الخدمَ ولم نحفظ الأسرة. انصرفت آذان الناس عن ”وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ“ كأنما هي ليست لهم. السؤال الذي دائماً أسأله نفسي بماذا يمتاز مجتمعٌ أو شعبٌ دون آخر وتكون ديمةُ المالِ والنعمة التي لم يجلبها مستدامة له وغيره يتقلب على شوكِ ضنكِ العيش والفاقة؟ أوعيةُ السعةِ والضنكِ  مستطرقةٌ تستطرقُ المجتمعاتِ ولو بعد حين.

أوصاني أن أنقل تحياته لحفيدي أحمد الذي سوف يقرأ ما كتبت عن سمرنا بعد سنين ويضيف لها مناظر من حياته درساً لمن بعده ونصحه أن الاقتصاد ليس فن جمعَ المال ولكن احترامه عندما يأتي والاستزادة منه ليومٍ آخر وأن يمشي بحذائه ما مشى به. ذلك اليوم علمكَ وجهلكَ يكلفانكَ المال، صحتكَ ومرضكَ يكلفانكَ المال. لا قنوطَ بل العمل والرجاء لعل الدهر يكتفي بما أخذ.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
طاهرة آل سيف
[ صفوى ]: 2 / 1 / 2018م - 11:50 ص
ما أبلغ الواقع في تلك الكلمات، يخاف الإنسان أن يصحو يوماً يقلِّب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها . كل الشكر على ماكتبت .
مستشار أعلى هندسة بترول