العبادات والمعاملات بين الغرب والشرق
العبادات الشعائرية والعبادات التعاملية بين الغرب والشرق مختلفة من واقع ممارسات الجانبين لها، إذ لا تكفي العبادات الشعائرية إذا لم تصاحبها العبادات التعاملية بين البشر.
في الدول الغربية لم يكن هناك تعاليم إسلامية ولا مسجداً في كل زاوية ولا قرآن يتلى كل يوم ولا خطب ومواعظ تقرأ في دور العبادة، مع هذا عمّ الصدق والعدل والمساواة واحترام الإنسان في أرضهم، وفيها لا يعامل الإنسان على أساس جنسيته أو قبيلته أو مذهبه بل على أساس إنسانيته.
في البلاد العربية تسمع القرآن الكريم في كل مكان، في العيادات والمحلات التجارية، في الحافلات والتكاسي، وفِي البيت والشارع والمقهى، وفي العمل تسمع الهواتف تصدح بالأذان والأناشيد الدينية، وفِي يوم الجمعة تجد الطرقات قد أغلقت بسيارات المصلين، حتى الباعة لا تراهم ساعة الصلاة، وأكثر السيارات كتب عليها لا تنسَ ذكر الله! ومع هذا كثر النفاق والكذب، وعدم المساواة بين الناس، وفيها يُعامل الإنسان على أساس جنسيته أو قبيلته أو مذهبه وليس على أساس إنسانيته!
إن كثرة المساجد بين أحيائنا لن تحل ظاهرة الفساد والأمراض النفسية في المجتمع، وللأسف إن المجتمعات الأكثر تديّناً أصبحت هي الأكثر فساداً، والأكثر كذباً، والأكثر نفاقاً، وهدراً للحقوق! وكما قال المستشرق الياباني «نوبوأكي نوتوهارا» في كتابه ”العرب وجهة نظر يابانية“ بأنهم متدينون جداً لكنهم فاسدون جداً أيضاً، وقدّم تحليلاً كاملاً عن رأيه.
إن العبادات الشعائرية لا تكفي إذا لم تصاحبها العبادات التعاملية بين الناس في المجتمع، فلا يُغني أن تكون المساجد مليئةً بالمصلين، وفي نفس الوقت نجد أنّ تعاملهم ومعاملاتهم تتنافى مع شعائر الدين! وقد يكون هذا واضحاً في مجتمعاتنا الإسلامية التي يُفترض أن تكون قدوة العالم في المعاملات الإنسانية لكثرة المساجد فيها! فما يُنشر عن الفساد فيها ليس قليلاً، إذ عمّ كلَّ القطاعات! فأصبحت الرشاوى شيئاً عادياً ممّا جرّ الفسادَ نتيجة لذلك إلى أن يتغلغل في كل أمور الحياة، لأنّ التركيز صار على العبادات الشعائرية دون التركيز على العبادات التعاملية، هذا غير التعامل السيئ وقلة الاحترام وكثرة الحلف بالله كذباً وزوراً وغير ذلك الكثير.
عندما سأل رسول الله ﷺ صحابته: "أتَدْرُونَ ما المُفْلِسُ؟ فقالوا: المفْلسُ فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إنّ المفْلسَ مَنْ يأتي يوم القيامة: بصلاة، وصيام، وزكاة، ويأتي قد شَتَمَ هذا، وقذفَ هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطَى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فَنيَتْ حَسَناتُهُ قبل أن يُقْضى ما عليه أُخِذَ من خطاياهم فطُرِحَتْ عليه ثم يُطْرَحُ في النار. «المصدر الريشهري محمد ميزان الحكمة دار الحديث، الطبعة الأولى ج3، ص2444».
والكلام واضحٌ كالشمس إن إنسان يغتاب ويأكل ما ليس له، إنسان يأكل مال اليتيم، إنسان غمَّاز لمَّاز، ويصلي، ويصوم، ويحج كلَّ عام، ومصيره إلى النار! فالدينُ عبادات تعاملية إن صحت صحت العبادات الشعائرية، والعباداتُ التعاملية هي أن تكون صادقاً وأميناً وعفيفاً ومنصفاً ورحيماً ومتواضعاً، وعندما تصح هذه العبادات التعاملية تصح العبادات الشعائرية، عندئذ تصح الصلاة، والصوم، والحج وغيرها من العبادات.
إن أكثر الناس في المجتمع يتوهمون بأنّ كلَّ من صلى وحج وصام فهو مسلم وأنّ الدين هو الصلاة، والحج، والصيام فقط! لكن المسلمُ من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمنُ من أمِنه الناس على أموالهم وأعراضهم، أي أن الصفة الصارخة في المؤمن ليست صلاته، ولا حجه ولا صيامه! بالرغم من أهمية ذلك في الإسلام، لكن الصفة الصارخة تكمن في صدقه، وأمانته، وعفته، ونظافة قلبه من الأمراض الاجتماعية.
إن أكثر الأحكام الشرعية الإسلامية تتعلق بالمال والنساء وهما أساس الأخلاق في المجتمعات، وأن ديننا الإسلامي نصفان عبادات ومعاملات والكثير منا للأسف الشديد فاشلون في النصفين! فالكثير منا لم يعبد الله حق عبادته كما أمرنا، ولو كنا كذلك لما رأينا هذا القتل والتدمير في مجتمعنا وفِي أكثر من بلد إسلامي! ولا نتعامل مع بَعضنَا بأخلاق ديننا الراقية، ولو كنّا كذلك لما رأينا الغيبة والنميمة بيننا وفي مجالسنا فهي خير شاهد على دنو أخلاقنا!
كثيرون سيكتشفون أنهم مخطؤون لكن بعد فوات الأوان، سيكتشفون بأن الدين ليس في العبادات دون المعاملات! وأن الجنة التي وسعها السماوات والأرض لا أبواب لها إلا الإيمان الصحيح والعمل الصالح قال تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾، والله خير العادلين.