ارتباط الأحداث الكونية بأفعال العباد
ورد عن رسول الله ﷺ: ﴿إذا أكَلَتْ اُمتي الربا كانت الزلزلةُ والخسف﴾. ﴿مستدرک الوسائل ج 13 ص 333﴾.
الكوارث الطبيعية من فيضانات وزلازل وبراكين وقحط السماء لها حساباتها الفيزيائية التي تفسرها وتبين سبب نشوئها وتأثيراتها، وكانت لها نتائجها المخيفة على نفس الإنسان يوم كان يفسرها لجهله بالعلوم الطبيعية، بأنها غضبة الطبيعة عليه وسخطها الجالب للضرر والأذى له ولممتلكاته، أما وقد تطور العلم وتوسع في بحوثه حتى استطاع تفسير وتبيان حقائق هذه الظواهر، فذلك أورثه الطمأنينة ودفعه نحو تحصين نفسه وبيئته من آثار تلك الظواهر المدمرة، ووضع من المجسات والأجهزة ما ينبيء ويتوقع بحلول كارثة، حتى استطاع الحد من تأثيرها بشكل كبير، درءا لتلك المخاطر المعوقة لمسيرة تخطيطه التنموي ومنجازاته.
والسؤال المهم يدور حول وجود علاقة ما بين أفعال الناس وما بين ردة فعل غاضبة من الطبيعة تنبيء بالتشنيع والرفض لما يقومون به من تصرفات سيئة.
بالقوانين الطبيعية المادية لا يمكن إثبات مثل هذا الأمر، وذلك أن التفسير العلمي البحت يدور حول العوامل الموجدة أو المؤثرة في الظاهرة الطبيعية كالزلزال وتحرك طبقات الأرض وقشرتها، وأما الافعال المشينة واللا أخلاقية فليس لها من علاقة يمكن رصدها أو ملاحظتها، ولذا فلا يمكن أن يكون الجواب العلمي إلا بالنفي لأي علاقة بينهما أصلا.
وأما الإنسان البدائي فكان يوجد عنده هاجس وقلق من غضبة الطبيعة تجاهه كردة فعل على سلوكياته غير المقبولة والمنافية للمنظومة القيمية الإنسانية، وبعد الكشف العلمي القائم على تفسير واضح للزلال وثورة البراكين والفيضانات وغيرها، اتجه الإنسان المتصف بالمعرفة والثقافة إلى إرجاع الأسباب للظواهر الطبيعية إلى منشأ علمي واضح، بدلا من الاتجاه الغيبي السابق والقائم على علاقة تلازمية بين كثرة الكوارث والمعاصي ومقارفة المنكرات وتفشيها.
وهذه الرواية الشريفة تشير إلى وجود التأثير الغيبي للعلاقة بين ارتكاب المخالفات الأخلاقية والكوارث الطبيعية، وهذا لا يعني وجود تعارض بين المسار العلمي والغيبي، لوضوح أن اليد الإلهية الغيبية إذا قدرت من البلاء ما يقع على العباد فإنه يجري بأسبابه الطبيعية، كما يجري مع الجذب وانحباس المطر والجفاف - مثلا - أو مع انهماره وحدوث الفيضانات، وإنما الكلام بكل وضوح هو: هل يجري من البلاء الإلهي وتقدير وقوع الكوارث ما تكون علته وجود سبب متعلق بالبشر، وهو عكوفهم على فعل القبائح وعدم ارتداعهم عنها، مع وجود الناصح المشفق عليهم من الأولياء الصالحين المنبهين لهم لعاقبة أفعالهم المشينة وحلول مقت الله وغضبه عليهم.
والقرآن الكريم وهو يتحدث عن الأقوام السابقة كقوم نوح وعاد وثمود ومدين وغيرها، أشار في طيات الكلام الكاشف عن هويتهم الأخلاقية عن افعالهم المعيبة والمنكرة من عبادة الأوثان أو الممارسات السيئة كتطفيف الوزن أو اللواط وغيرها، فقد حل بهم السخط الإلهي والنقمة من إصرارهم على المعاصي، وأرسل عليهم من العذاب كالغرق بالطوفان أو الخسف أو الصيحة وغيرها، وهذه القاعدة من السبب والمسببية الرابطة ما بين المعاصي والغضب الإلهي تجري في اللاحقين كما الماضين.
ومن تلك المعاصي هو المخالفات والمعاملات المحرمة، والتي تضرب التوازن الاقتصادي وتخلق طبقة فقيرة ترزح تحت نير طمع وجشع المترفين، ومنها القروض المنتهية بفوائد زائدة على المبلغ المقرض ألا وهو الربا، والذي يدفع بالمقترضين إلا أن يكونوا آلة عاملة تزيد من الثروات الصامتة غير المحركة لدفة وعجلة الاقتصاد المتحرك، فالربا تكويم وتكثير لثروات الاغنياء دون أن يكون لها دورة اقتصادية تنفع المجتمع، كما أنه اعتداء صارخ على الطبقة العاملة الكادحة فتسرق جهودهم وعملهم؛ ليجني المرابون الأرباح على شكل فوائد بدون وجه حق.
إن هذه المعاملات المحرمة ماحقة للحركة المالية وعائقة من دوران فوائدها على الجميع كالبيع والمضاربة وغيرها من المعاملات الصحيحة، ولذا يأذن الله تعالى بحلول نقمته وحدوث خلل في الطبيعة الصامتة، فليحذر البشر إن طلبوا الأمان من التعامل بالربا، وهذا لا يعني بالطبع بانحصار الزلال أو الخسف بالربا، فهناك عوامل متعددة لهذا الابتلاء الإلهي.