آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 6:06 م

فن التأثير في الناس

رضي منصور العسيف *

من الدروس الجميلة التي يمكن أن نتعلمها من سيرة أهل البيت ، درس كيفية التأثير في الناس، فهم «الأئمة الدعاة والقادة الهداة» وفي سيرتهم العديد من المواقف في مجال التأثير في الناس وتغيير مواقفهم وتحويلهم إلى محبين لهم.

نقل المؤرخون أنّ المتوكل الذي عرف بشدّة عدائه لأهل البيتعليهم‌السلام، وحقده على الإمام عليعليه‌السلام، أمر بسجن الإمام العسكريعليه‌السلام والتشديد عليه إلاّ أنّه لمّا حلّ في الحبس ورأى صاحب الحبس سمو أخلاق الإمامعليه‌السلام وعظيم هديه وصلاحه، انقلب رأساً على عقب، فكان لا يرفع بصره إلى الإمامعليه‌السلام إجلالاً وتعظيماً له، ولمّا خرج الإمام من عنده كان أحسن الناس بصيرة، وأحسنهم قولاً فيه[1] .

كن صاحب شخصية مؤثرة

إن قوة التأثير في الآخرين هي صفة من صفات الشخصية الناجحة، فكن مؤثراً من خلال اكتسابك العديد من المهارات الاجتماعية والفكرية والسلوكيات الإيجابية التي تساعدك في التأثر في الناس. والتي منها:

قوة الإيمان

والتي تتمثل في أداء جميع الواجبات والابتعاد عن كل المحرمات، اجعل الإيمان بالله والتقوى تجري في أوداجك كجري الدم، نمِ حب الله في ذاتك.. اشغل أوقاتك بذكره، وتطلع إلى أكمل الإيمان كما ورد في دعاء مكارم الأخلاق: «اللهم صل على محمد وآله وبلغ بإيماني أكمل الإيمان».. المؤمن لديه تطلع للحصول على أكمل الإيمان والذي تظهر آثاره العملية في جميع حركاته وسلوكياته.. وهكذا كان الإمام العسكري باعتراف السجّان الذي قال عن حال الإمام وهو في السجن: «ما تقول في رجل يصوم النهار ويقوم اللّيل كلّه، لا يتكلّم ولا يتشاغل وإذا نظرنا إليه ارتعدت فرائصنا ويداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا،..» [2]  وبمقدار إيمانك يكون تأثيرك.

سمو الأخلاق

قال الامام الحسن العسكري : من كان الورع سجيته، والكرم طبيعته، والحلم خلته، كثر صديقه والثناء عليه[3] .

إنّ التحلّي بالأخلاق الكريمة من الأمور الهامّة التي ترفع مكانة الفرد في قلوب الآخرين، فللأخلاق سحرها وجاذبيتها، وقوة تأثيرها في الطرف الآخر.

ويمكن للإنسان أن يؤثر على الآخرين دون أن ينطق بكلمة واحدة، إذ يكفيه سلوكه الناطق بالصفات الكريمة والأخلاق الحميدة.

لذا عليك أن تنمي أخلاقك وتتخلق بالخلق الحسن كما ورد عن الإمام الصادق لمّا سُئل عن حُسْنُ الخُلُق، قال: ”تليّن جناحك، وتطيّب كلامك، وتلقى أخاك ببِشْر حَسَن“ [4] .

لكي تكون مؤثراً:

- كن أنت المتأثر بالفكرة أولا، فعلى قدر تأثرك أنت بما تحمل من أفكار يكون تأثيرك في الآخرين، كن أنت المبادر بالعمل بالفكرة، ومطبقاً لها، ولا تكن ممن جاء فيهم هذا الخطاب الرباني: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ»، كن قدوة حية ونموذجاً متحركاً لما تقول وتفكر وتفعل.

- التحلي بالصدق والجدية قولا وفعلاً، فكلما كانت مصداقيتك كبيرة، فسيكون تأثيرك بحجمها. وسيكون كلامك محل ثقة عند الآخرين، ومؤثراً فيهم.

- كن قريباً من الناس: تحترمهم، تقدرهم، تتعايش معهم، لديك قنوات تواصل فعالة مع الناس، فأنت تتفهم مشاعرهم، وتتعاطف مع قضاياهم، فأنت منهم وفيهم لا منفصلاً عنهم، كل هذه الأمور تجعلك مؤثر في الناس.

- كن شخصية إيجابية تنشر التفاؤل بين الناس، تداوي جراحهم من ضغوطات الحياة، وإذا لم يكن لديك ما تتصدق به على الناس، يكفي أن تتصدق بالكلمة الطيبة، والابتسامة الصادقة، حيث أن دوام الابتسامة وحلاوة اللقاء مع أحبابك وتعهدك لعلاقاتك الاجتماعية بالرعاية المستمرة تجعلك تنجح في التأثير فيهم.

- لتكن مؤثراً في المكان الذي تتواجد فيه، تحوله إلى شعلة من النشاط والحيوية، تبعث فيه الحياة، اسع للتغيير للأفضل.

اخيراً فإن سلوكك الراقي يؤثر في الذين حولك فحافظ عليه، واعمل جاهداً على تنمية مهارات التأثير في الآخرين، لتكون شخصية مؤثرة.

 

[1]  أعلام الهداية، الإمام الحسن العسكري

[2]  أعلام الهداية، الإمام الحسن العسكري

[3]  بحار الانوار ج75 ص379 ح22 أعلام الدين ص314

[4]  الكلينيّ، محمّد، الكافي، ج2، ص103
كاتب وأخصائي تغذية- القطيف