طف محركاتك!!
التقيت بأحد المعلمين المخلصين في عملهم القائمين على الأنشطة والبرامج المدرسية وكان يشكو من كثرة العمل إلى درجة أنه لايتمكن من إنجازه في المدرسة خلال ساعات العمل فيأخذه أحيانا معه إلى البيت. لاحظت عليه علامات الجهد والضغط النفسي في أكثر من موقف فرق قلبي لحالته الصحية وقلت له لابد أن تسمع قصة“طف محركاتك”.. هذه القصة مضى عليها أكثر من 10 سنوات لأحد الزملاء فاستأذنت منه وقلت له آن الأوان لتوثيقها.
لقد عُيّن أحد الزملاء قائداً للقيام بإحدى المهام المهمة والحرجة التي تتطلب جهداً كبيراً وتخطيطاً دقيقاً وتنسيقاً مميزاً وتم تعيين أعضاء الفريق الذي يعمل معه بتخصصات مختلفة من أجل إنجاز المهمة بنجاح وأمان. إختياره لهذه المهمة كان لثقة الإدارة فيه وفي قيادته وكفاءته ومهارته وإخلاصه وتفانيه في العمل. فما كان منه إلا أن وضع خطة ووزع المهام على أعضاء الفريق وطلب منهم التكاتف والعمل بروح الفريق لإنجاز هذه المهمة - التي تستغرق أسابيع وتتطلب الجهد الكبير المكثف - خلال الجدول الزمني المتوقع.
مضت الأيام وقد أظهر الجميع حماساً وتكاتفاً وشغفاً لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي لمنظمة العمل. وفي أحد الأيام جاء أحد أعضاء الفريق وسلم على القائد واستأذنه بكلمة على انفراد. استجاب له وأخذه إلى مكتبه وجلس وكله آذان صاغية.. نظر الموظف إليه وأثنى عليه وعلى الجهد الكبير الذي يقوم به ثم قال له «طف محركاتك» … تفاجأ القائد لسماع ذلك وسأله ماذا تقصد؟ فرد عليه خفف على نفسك وعلينا، لقد أجهدت نفسك وأجهدتنا وفي نهاية الأمر ستبقى على ما أنت عليه…
صمت قليلا ينظر إليه تارة ويتأمل في كلماته وينظر تارة إلى الجدول الزمني والتحدي الذي قبله لإنجاز المهمة بدون تأخير. فما كان منه إلا أن توجه له بالشكر والتقدير على نصيحته وتنبه إلى مراعاة ظروف العاملين معه مع المحافظة على نفس الأداء والإخلاص في العمل. ومن ناحية أخرى يقول لقد كان صدى هذه الكلمات يتردد في ذهني كلما وجدت نفسي منهمكاً في عملي على حساب الأهداف الشخصية والعائلية والاجتماعية الأخرى التي لم تلق نصيبها من التوازن في الحياة.
واقعا هذا هو حال البعض من الموظفين ممن يعملون بأمانة وإخلاص مؤملين التقدير وتحقيق آمالهم وطموحاتهم متغافلين ومنشغلين عن التوازن في أهداف الحياة المتنوعة. منهم من يكون في بيئة صحية يسودها النزاهة والتقدير فيحقق مايؤمل من التقدير والرضا الذاتي، ومنهم من يكون في بيئة يصاب بردة فعل وخيبة أمل لتجاهل جهوده وإنجازاته لسبب أو لآخر.