آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 6:06 م

ثقافة الرفض

محمد أحمد التاروتي *

اتخاذ موقف المعارضة، ينطلق احيانا من مواقف مبدئية، فيما يكون تارة اخرى، مرتبط بمصالح شخصية، ونوازع ذاتية، الامر الذي يحدث بونا شاسعا بين الموقف، الاول يحظى بالاحترام والمناصرة، نظرا لما يمثله من قيم ومثل عليا، تعود على المجتمع بالخير والفائدة، وبالتالي فان بعض الجماعات المعارضة، تجد أصداء واسعة لدى شرائح اجتماعية عريضة، مما يجعلها محط أنظار الجميع، بحيث يصعب تجاهلها، او محاولة القفز عليها.

فيما المواقف المعارضة، المستندة على الاهواء الذاتية، سرعان ما تموت، جراء انكشافها لدى الاخرين، الامر الذي يحول دون القدرة، على تمريرها في المجتمع، نظرا لصعوبة الترويج لافكار تنطلق من مصالح شخصية، فالمشروع الشخصي لا يجد الانصار، مهما حاول صاحبه نشره بطريقة او باخرى، لذا فان المشاريع الإصلاحية التي تحمل المبادئ، لا تموت مهما حاولت الاطراف الاخرى، اقتلاعها من المجتمع، نظرا لوجود عناصر على استعداد، للتضحية بالاموال والنفس، في سبيل نصرتها، بينما المشاريع الشخصية، تموت بذهاب أصحابها، فهذه النوعية من المشاريع، ليست قادرة على الصمود، في معركة البقاء.

ثقافة الرفض ليست سلبية على الدوام، وليست إيجابية دائما، فالوقوف امام المشاريع الفاسدة، يمثل موقفا محمودا من لدن اصحاب القيم، والضمائر الحية، على مر العصور، لاسيما وان الاخلاق الفاسدة مرفوضة شرعا وعقلا، مما يجعلها مستهجنة على مر العصور، ”يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمُرُ بالفحشاء والمنكر“، بمعنى اخر، فان إظهار الموقف الرافض، لانتشار القيم الفاسدة، يعكس الخوف من تدهور المستوى الاخلاقي، في المجتمع، مما يجعله محل تقدير، واحترام من الاخرين، فهذا الموقف لا ينطلق من مصالح شخصية، بقدر تقف وراءه، مخاوف مرتبطة من انتشار المفاسد، في البيئة الاجتماعية، ”ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، وأولئك هم المفلحون“.

على النقيض تماما، فان الموقف المعارض لسيادة القانون، وانتشار الفوضى، والخراب، ينطلق من أهداف بعضها ظاهرية، واخرى خفية، الامر الذي يستدعي اتخاذ الحيطة والحذر، من مناصرة هذه النوعية المواقف المريبة، خصوصا وان انتشار الفوضى يخلف اثار سلبية على المجتمع، بحيث لا تقتصر على اصحاب المواقف الداعية، لإيقاف سيادة القانون والنظام ”الخير يخص والشر يعم“، ”اذا رأى المنكر فلم ينكره، وهو يقوى عليه، فقد أحبّ أن يُعصى الله، ومن أحبّ أن يُعصى الله، فقد بارز الله بالعداوة“.

ثقافة الرفض تشكل منعطفا تاريخيا، في مسيرة بعض المجتمعات البشرية، نظرا لبروز شخصيات، تحمل قيما مثلى لتغيير الواقع البائس، الامر الذي ساهم في تحريك الحالة السلبية السائدة، باتجاه اتخاذ الموقف الإيجابي، الداعي للوقوف امام المشاريع الفاسدة، بحيث أوجد حالة رفض جماعية، ساهمت في زرع ثقافة، مغايرة تماما للقناعات الفكرية السابقة، بمعنى اخر، تحول المجتمع من الموت السريري، الى الحياة النابضة بالحياة.

كاتب صحفي