آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 1:09 م

ارحموا أطفالكم من عنصريتكم!

نداء آل سيف *

هل اضحى أطفالنا ضحية للحالة العنصرية والطبقية المتفشية - على نحو أوسع - لدى العائلة؟!. قبل الخوض عميقا في الموضوع، ينبغي أن أشير إلى أنني أتحدث هنا، بحكم التخصص، عن الأطفال في سن مبكرة جدا، ممن لا يزالون في رياض الأطفال، أو بالكاد وضعوا أرجلهم في الصف الأول ابتدائي. وما يدفعني لإبراز هذه الملاحظة الأولية هو معرفة الجميع بأن الحالة التي أتناولها - العنصرية والطبقية - هي أمر مفروغ منه عند الفتيان والمراهقين - لملابسات ليس هنا مجال بحثها - لكنها تبدو مفاجئة، بل صادمة، عندما تكون عند طفل لم يمضي وقت طويل على فطامه عن حليب أمه!!

ولكم أن تتخيلوا جانبا من الحوارات الطفولية التي وقفت عليها شخصيا. فهذه طفلة في السابعة من العمر تعيّر زميلتها لكون الأخيرة من عائلة غير معروفة، بقولها «أنت من العائلات الفقيرة لأنك لست من العائلة الفلانية ولا العلانية»! وتكمل تلك الصغيرة حديثها موضحة لزميلتها ”الفقيرة“، أن السعداء هم من الأغنياء والذين ينتمون إلى هذه العائلات وأن غيرهم من العائلات فقراء ولا يعرفون السعادة!. طفل آخر حينما سألته عن اسمه أجابني: «ماجد» وأنا ولد لأغنى رجل في المدينة لأنه يملك أكبر معارض بيع السيارات!. وفي حوار أخير تبدي طفلة ثالثة شفقتها الكبيرة على زميلتها لا لشيء الا لأن الزميلة لا تتلقى تعليمها في احدى المدارس العالمية الممتازة مثلها، وإنما في مدرسة حكومية عادية!

هذه المواقف الثلاثة التي عايشتها مع أطفال لايزالون في سن مبكرة جدا، أكدت لي أن أطفالنا صاروا ضحية للتفكير الطبقي والعنصري، المتوارث عن عالم الكبار، والذي يسهم بطبيعة الحال في إيجاد بيئة خصبة، وآخذة في الإتساع، للتطرف والعنصرية.

ان الأطفال في هذه المرحلة العمرية أنقى من التفاخر بالنسب؛ وأصغر من تمييز تاريخ العائلات ومعرفة أيها أغنى وأيها أفقر!. وأجزم بخطأ هذا الأسلوب في التربية أو الحوار مع الطفل؛ فالأطفال في هذه المرحلة ولصفاء قلوبهم هم أقرب إلى الاعتدال والإنصاف.

في هذا الجانب؛ يعتقد علماء النفس أنّ الأطفال يمتلكون القدرة على الاستماع وترداد الكلام الذي يسمعونه من العالم المحيط بهم. وقد يردد الأطفال عبارات كثيرة بلا إدراك معناها، ولكنها تتسبب بأذية الأخر، وتنمي لديهم فكرة تجاهل مشاعر الآخر عن غير قصد. لذا ينبغي من الأهل أولا، انتقاء الكلام، والحوار الذي يدور بينهم والبعد تماما عن الكلمات أو حتى التلميحات التي تحمل في طياتها «رائحة العنصرية». حتى لا يرددها الطفل وتكون كأنها عبارات اعتيادية.

أن الأطفال لا يولدون وهم عنصريون. وإنما تنتقل هذه المشاعر من التأثيرات الخارجية والتي يأتي في مقدمتها الأسرة والمدرسة والمجتمع. فعندما يعيش الأطفال في جو يسوده الاحترام وقبول الاختلاف والتنوع، يغدو من شبه المستحيل أن يمارس الطفل العنصرية والتمييز والعكس تماما.

ومن المؤسف جدا أن حياتنا اليومية مليئة بمختلف مظاهر التمييز والعنصرية ضد الأخرين، بدءا من البيت ومراسيم المناسبات التي نحتفي بها جاهدين في الظهور بأقصى درجات التباهي، الأمر الذي ينعكس سلبا على أطفالنا دون دراية منا. فالطفل ينشأ على مقارنة نفسه بالآخرين والاعتقاد أنه الأفضل والأغنى.

من هنا يبرز دور الأسرة أولا والمدرسة ثانيا في زرع القيم وتعزيزيها سلوكيا لدى الأطفال؛ بدلا من تشجيعهم على التباهي الأجوف على أقرانهم. فالتنشئة الاجتماعية على قيم احترام الآخر والمحبة بغض الطرف عن لونه أو مذهبه أو مستوى عائلته المادي، وعدم التقليل من شأنه فضلا عن الإساءة إليه، كل ذلك مما يساهم في خلق جيل قادر على تجاوز التمييز والتعصب بكل مفرداته، وأساليبه.

أما الأمر الأخر فهي المسئولية التي تقع على عاتق المؤسسة التعليمية في المنطقة العربية. والتي لا يوجد في أغلبها حتى الآن أي مناهج تربوية تدرب الطلبة على ضرورة احترام حقوق الآخرين المختلفين في النسب أو اللون أو الدين والمذهب. فكم نحن في أمس الحاجة إلى تدريب الطفل على احترام الإنسانية أيا كان المنتمي لها وتعليمهم أن الأفعال أو الكلمات التي تحمل مضامين عنصرية هي مرفوضة تحت أي مبرر جاءت.

ان دور الطاقم التعليمي في غاية الخطورة، لأن الطفل وخاصة في سنواته الأولى يعتبر «المعلم» هو القدوة والمثل الأعلى، لذا من المهم أن يحسن المدرس التصرف مع أي فعل عنصري، وعدم تجاهله ويسعى إلى تعزيز احترام التنوع والقبول والتعايش.

وعليه، أود القول ان أقصر طريق يجنب أطفالنا من التحول إلى ضحايا العقلية الطبقية والعنصرية هو ان تكف العائلة بالدرجة الأساس عن تعزيز هذه النزعات السلبية عند الأطفال. ولكل أسرة أقول «أرحموا أطفالكم من عنصريتكم، فأن كانت لديك معرفة بتاريخ العائلات، فمعرفة الطفل بهذا الأمر وهو لايزال في رياض الأطفال ليست أمرا «جبارا» يستحق التفاخر به. والأسوأ من ذلك إن تنشئة الطفل على التفاخر بغنى والده لن يجعل منه أكثر من طفل اتكالي بكل أسف.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
هلال الوحيد
[ القطيف ]: 26 / 12 / 2017م - 10:07 ص
بارك الله فيك. هذه العلة تنشأ وتترعرع في المنزل وتغذيها المدرسة والمجتمع لذلك يجب وأدها في مهدها وبدلا منها زرع فكرة احترام الآخر والتكامل معه وليس التفاضل عليه.
ليس فقط عنصرية عند الصغار بل بعض الكبار.
كل الشكر والتوفيق لك لأنك كتبتي موضوعاً مهماً.