صداقة النفوس
”لي من نفسي صديق يعزيني إذا ما اشتدت خطوب الأيام، ويواسيني عندما تلم مصائب الحياة، ومن لم يكن صديقا لنفسه كان عدوا للناس، ومن لم يَرَ مؤنسا من ذاته مات قانطا؛ لأن الحياة تنبثق من داخل الإنسان“ جبران خليل جبران
في مراحل العمر المختلفة والتي تختلف معها - بطبيعة الحال - درجة النضج الفكري والرشد العقلي، يمر علينا الكثير ممن نعدهم أصدقاء مقربين وصحابا مخلصين، ثم ما أن تلبث تلك العلاقات الرائعة بالتغير، تبعا لتغير واقع الحياة وسلوك الناس ونفوسهم وقيمهم ومبادئهم وأحلامهم وتوجهاتهم وطموحاتهم، ولربما تتطور تلك العلاقات وينتقل معك هذا الصديق أو ذاك إلى مرحلة جديدة من عمر حياتك، وهناك من الأصدقاء مَنْ يتوقف عند محطة المرحلة السابقة فلا يكمل معك المرحلة اللاحقة.
يكتسب الإنسان أصدقاء وأصدقاء في مراحل حياته، وقد يكون مع بعضهم مخلصا لدرجة تقديم التضحيات الكبيرة من أجلهم ومن أجل استمرار علاقة الصداقة معهم، فهو يعطي ويمنح ويقدم لهؤلاء الأصدقاء، وفِي غمرة ذلك الزحام ينسى أهم أصدقائه، نعم أهم الأصدقاء، إنها نفسه التي بين جنبيه، تلك الصداقة التي لها نكهتها الخاصة والمميزة والقريبة، فهي بطعم الروح...
الصداقة مع النفس من أهم وأسمى وأرقى العلاقات التي تكونها أيها الإنسان في حياتك وهي تعني: حبك لذاتك - على ألا يصل حد النرجسية - وفهمك إياها، وانسجامك التام مع مشاعرها ومكنوناتها الداخلية، وصداقتك مع نفسك أهم أنواع الصداقة، فأنت معها وهي معك دائما كتوأم لا يفارق كلاهما الآخر.
تكتسب صداقة النفس أهمية بالغة ومكانة رفيعة؛ لما لها من فوائد ومكاسب ومنافع تعود على صاحبها بالخير العميم، ومن تلك الفوائد ما يلي:
- تقريب المسافة بيننا وبين أنفسنا؛ مما يجعلنا نفهمها أكثر، ونكتشف مناطق غامضة في أعماقها.
- فهم النفس يؤدي بِنَا إلى تطويرها، فما كان إيجابيا منها نؤكد عليه وننميه، وما كان سلبيا نصححه ونقومه ونعدل فيه.
- زيادة ثقتنا بإنفسنا تؤدي إلى نتائج رائعة على المستوى الشخصي والمجتمعي.
- العيش في توافق وانسجام بيننا وبين أنفسنا يؤدي إلى تحصيل جرعة قوية من السعادة والرضا.
- درع يقيك من الإحباطات الخارجية، وهي الملاذ الآمن لك بعد الله؛ حيث تجد أُنسك وسرورك مع تلك النفس التي جعلت منها صديقة مخلصة لك.
- أن تعيش في صداقة مع نفسك يعني مصالحتها والتصالح مع النفس يقلل التوتر والقلق، فلا يستطيع أحد أن يلقي عليك شباك الهم والغم، فأنت بمأمن وبمنأى عن ذلك.
لننطلق واثقين ولنحلق متفائلين بعيدا مع نفوسنا؛ ولنعقد معها صداقة مخلصة في الخير؛ حتى نتمكن من أن نعيش معها ونحيا في سلام ووئام، فلا يكدر صفونا شيء، كذلك فإننا لو أصبحنا وحدنا فلن نكون كذلك؛ حيث إن نفوسنا تلتقي معنا، ويكون لقاؤنا متصفا بالجمال والحب والأنس والصفاء، وتحيط به هالة من البهجة والسعادة، ويكون الحديث معها في قمة تفاؤله وانسجامه وتوافقه.
فمتى سنعقد صداقة مخلصة خيرة مع أنفسنا؟!