إعادة قراءة من حولنا
يبدو لي ان في رحلة اعادة اكتشاف اصدقاء المدرسة والجامعة والعمل والمنتديات والقروبات وبعض المعارف نسبا بعد بلوغ سن متقدم وناضج وتراكم خبرات حياتية وفيرة وتحديد بوصلة حياة لها مذاق متعدد النكهات. في الحقيقة يمكننا ان نقول بعد خوضها، يالها من رحلة عمر بها الكثير من المعرفة والمواقف والطرائف والغموض والاستكشاف والفضول والمجهول والاكتساب والتموجات والترددات والقفزات والتمنيات. اتسأل بين الحين والاخر في رحلتي الاستكشافية الجديدة:
- كيف اني لم اعيد اكتشاف او اعيد التنقيب عن هؤلاء الذين عاشوا من حولي ردحا من الزمن بين الحين والاخر
- كيف استثمرت وقتا هنا او هناك في صفقة رابحة او خاسرة مع هذا القريب او النسيب او الصديق او الزميل دونما استدراك في حينه عن حدود العلاقة بيننا والاستزاده من جميلها او تنافرها فالقطيعة منها في حينه او اعادة رسمها من جديد؟
- كم بقي من الوقت في تلك الرحلة الممتعة في صحبة البعض او المملة في معرفة البعض الاخر والى اين تتجه الامور. في قادم المكنون من الايام او السنون؟!
كان هناك مثال شائع في وسطي الاجتماعي يقول اذا اردت ن تعرف الرجال فعليك ب السفر معهم وفي مثل اخر يردده الكثير من ابناء مجتمعنا ينص على ان الرجل يُعرف من خلال التعامل معه ب المال او قياس ردود الافعال في المواقف الصعبة او اوقات الفزعة. تلكم التعريفات او المفاهيم انما هي محاولات جادة لتشخيص حالات الوفاء والتكامل في العلاقة بين طرفي العلاقة او اطرافها المتعددة بناء على عناصر القيم الاجتماعية الآخذة في الشح في حينه.
بعد عدة قراءات علمية وشروحات، وجدت ان التصنيف لشخصيات البشرية يكون ضمن اكثر من 16 نمط.
وكل تلكم الانماط السلوكية مبنية على التزواج بين اربع مداخل اساسية لتكوين تلكم الشخصيات ذلك حسب درجة التمازج بين المداخل الاربع بنسب مختلفة حسب أحد مدارس العلوم النفسية:
1 - الاستعداد لطاقة والحيوية والنشاط
«داخلي ذاتي Introverted ام خارجي extroverted»
2 - آلية استقبال المعلومات الخارجية
«حسي sensing ام حدسي intuitive»
3 - آلية اتخاذ القرار
«مفكر ام عاطفي»
4 - آلية التفاعل مع المحيط وتنظيمه
«الحكم بحزم ام تفاعلي»
لقد كانت رحلتي في غابات العلاقات الانسانية المحيطة بي في هذا المجال الواسع هي بحق اعادة اكتشاف وتمرد على التنميط الثنائي السائد من حولنا في التصنيف؛ وهذا التعبير اي ”التنميط الثنائي“ ذكرني بجلسة مسامرة قبل فترة من الزمن مع المهندس محمد في مقهى ثقافات باحد مدن الساحل الشرقي.
استطردت في التأمل اكثر وانسابت تساؤلات مشروعة عن: ماذا نريد ممن يعيشون حولنا؟ وماذا يريدون هم منا بعد ان تتغير قناعات البعض منهم او سلوكياتهم؟
هنا ارخيت في الوقت المستثمر في هذه الرحلة التأملية، فوجدت ان جواب التسأل عن ما أريده من الاخرين هو في جعبتي. اما ما يريده الاخرون مني فهو في جعبتهم لاسيما في ظل تعدد الأقطاب والتجاذبات الايدلوجية او الفكرية او السلوكية.
وبالفعل تساءلت ماذا اريد ممن هم بمثابة كتب مغلقة وتحيط بي ويجب علي ان افرز كل صفحاتها صفحة بصفحة للمقربين المهمين في حياتي والاكتفاء بقراءة الفهرس لكتب البعيدين او ذوي التفاهمات العابرة في حياتي. هذا المنهج في الفرز يذكرني باستراتيجيات القراءة البطيئة المتمعنة والقراءة السريعة الخاطفة في الكتب الورقية. لعل تحديد الاهداف او الغائيات هي الركيزة الاساس لوضع الاستراتيجية المناسبة والاستثمار الوقتي والجهد المناسبين لكل علاقة محيطة بنا علنا نحظى بعوائد مجدية لكل علاقة تتناسب والجهود المبذولة حتى لا ننصدم بخسائر او تعويل على سراب او نرتكز على احلام مبعثرة او مدد هزيل او مشاعر مبعثرة. فتتحول تلكم الخسارة الى ندم ﴿ياليتني لم اتخذ فلانا خَلِيلا﴾ الفرقان 28.