آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 12:44 م

التقديس حاجب عن الحقيقة

حسن آل جميعان *

تميل بعض المجتمعات إلى التقديس سواء أكان ذلك بالنسبة للأفراد أو الأفكار أو أمور أخرى، هذه الحالة لم تأتي هكذا من فراغ بل سبقها عدة أشياء منها الاحترام الزائد عن الحد أو المبالغة فيه مما يوصلنا إلى حالة التقديس واعطاء الشيء أكثر مما يستحقه مما يجعله عصي على النقد والمساءلة ويصبح مع مرور الوقت فوق النقد. والشيء الآخر هو الخوف على الذات ”الهوية“ حيث يقول رشيد الحاج صالح في مقال له منشور في موقع العربية نت بعنوان نقد ثقافة التقديس: ”فالمرء عندما يخاف على المقدّس ويلجأ إلى الدفاع عنه، فإن خوفه هذا نابع من خوفه على ذاته، ودفاعه ذاك نابع من دفاعه عن ذاته، طالما أن ذاته لا قيمة لها ولا هوية من دون المقدّس الذي تنتمي إليه“.

هنا أحب أن أوضح الالتباس الذي قد يحصل بين التقديس والاحترام وقد يظن القارئ أن هذه المقالة وقع فيها خلط بين المفهومين، هنا لا نتحدث عن الاحترام لأنه قيمة يجب تنميتها لدى الفرد في المجتمع والتأكيد عليها لكي يسود الحب والسلام فيه، لكننا ننتقد الاحترام الزائد ”التقديس“ الذي يكون حاجز ومانع بين الفرد وذلك الشيء المقدس الذي يرفعه إلى درجة عليا لا تستطيع حتى مناقشته او الاقتراب منه بسبب الهالة التي وضعها في مخيلته ووجدانه هذا ما نسميه في هذه المقالة المتواضعة ”التقديس“ الذي يحجبك عن الوصول للحقيقة المنشودة.

وبالمناسبة أذكر هذه القصة، كنا ذات يوم نتناقش حول مواضيع لـ ”شخصية دينية“ بارزة في المجتمع وأفكاره التي يطرحها على الناس وهذا شيء طبيعي خاصة أن تلك الأفكار أصبحت في الفضاء العام ومن حق أي فرد مناقشة تلك الأفكار، في أثناء النقاش ارتفع صوت أحد الأصدقاء في الدفاع عن ذلك وبدأ يتحدث عن علمه وأنه كذا وكذا، وبعد ذلك بدأ هل أنتم متخصصون حتى تناقشوا هذه الشخصية الفذة؟ وهذا يشهد له الجميع بالفضل والعلم إلى نهاية النقاش.

ما يستفاد من هذه القصة أن صديقنا انتقل من مناقشة الأفكار إلى شخصنة النقاش هذا أولا، ثانيا اعتقد صاحبنا أن النقاش فيه تصيد على تلك الشخصية وهذا لم يطرح في الأصل، ثالثا انتقل إلى رفع تلك الشخصية وجعلها فوق النقد وهو عالم وأنتم من أنتم حتى تتحدثوا عنه. كل هذا كما أتصور لم يأتي بشكل اعتباطي لدى هذا الصديق المنفعل بل كان دافعه أن هذه الشخصية تمتلك من القداسة بحيث لا يمكن نقدها أو الاقتراب منها ولو بالنسبة له فقط.

هنا أدعو نفسي أولا وغيري من أبناء المجتمع إلى الابتعاد عن التقديس والافراط فيه خاصة فيما يتعلق بالأشخاص لأننا جميعا معرضون للخطأ بسبب بشريتنا التي من طبائعها أنها ليست كاملة ولذلك هي معرضة لأن تصيب وأن تخطىء، وهذا مكون طبيعي في شخصية الانسان لأن الخطأ والصواب جزء من شخصيته، لهذا التعصب والتقديس يحرمنا ويحجبنا من التعلم والوصول إلى أفضل مافي هذا العالم من خير، وكذلك يحرم الفرد من الاستفادة من عقله لأنه جعله أسير غيره وهنا تكمن الخطورة.