آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 1:55 م

يوم في حياة أم سعودية ”عاطلة عن العمل“ «4»

المهندس عيسى المزعل *

[ولكن، ماذا عن المستقبل، ماذا سيحدث بعد عام، بل كيف تكون الأوضاع عندما يتخرج محمد من الجامعة بعد خمس سنوات بإذن الله؟.]

سيكون المستقبل أفضل بمشيئة الله. التفاؤل خير دائما. بهذه الأفكار هدأت أم محمد هواجسها وهي تقود سيارتها نحو محطتها الثالثة.. ”دكان أبو عباس للفواكه والخضار“. هي تفضله دائما على مراكز التسوق الكبيرة المزدحمة، فهي تعلم بأن بضاعته طازجة، وهو قريب من منزلها، ويقع بقرب بقالة تشتري منها نواقصها من احتياجاتها المنزلية فيما بين تسوقها الرئيس الشهري. هذا بالطبع علاوة على أنها تجد سعادة كبيرة في دعمها لأهل البلد، كما كانت تقول لزوجها دائما.

”صباح الخير عم أبو عباس“ حيته أم محمد.

”الله يصبحج بالخير أم محمد. ويش أحوال أبو محمد والجهال“، رد عليها أبو عباس.

”كلهم بخير ولله الحمد“.

”ليش تزاحمين روحج أم محمد. لو إتصلت تيليفون وصلت الأغراض للبيت“، قال لها الرجل.

”ما تقصر يا عم، أني بس أحب أنتقي الأغراض بنفسي“

أكملت مشترياتها. دفعت التكلفة نقداً هذه المرة، فالحاج ابو عباس لا يؤمن بالبطاقات، ولم يسمع بضريبة القيمة المضافة. وأصر كعادته على حمل الأغراض الى السيارة.

المحطة الأخيرة هي ”بقالة الفريج.“ بقالة متوسطة الحجم كان يملكها هنود، فاشتراها منهم مجموعة من الشباب، وحولوها لبقالة ”مثالية“، بكامل ما تحمله تلك الكلمة من معنى. المكان يشع نظافة، وهو غاية في الترتيب. تجد ما تحتاجه بسهولة. الخدمة فيه ممتازة، وأسعاره معقولة.

اشترت ما تحتاجه في عشر دقائق، ملتزمة بدقة بالقائمة التي كتبتها.

”صبحك الله بالخير أم محمد، هل وجدت جميع ما تحتاجينه؟، هل تحتاجين أي خدمة أخرى“، سألتها الكاشيرة بلطف صادق.

”صباح الخير ماريا. نعم، شكرا لك حبيبتي“، أجابتها بابتسامة ودودة.

دقائق فصلت بين مغادرتها للبقالة ووصولها لكراج منزلها. جهزت عربتها وضعت الاغراض فيها، ثم افرغتها في دواليب المطبخ بترتيب وفاعلية. الساعة إقتربت من التاسعة والنصف، وأمامها مهام متعددة تحتاج لإنجاز قبل أن تعود لأخذ أطفالها من المدرسة.

بدأت برفع الستائر، وفتح النوافذ…هي تحب أشعة الشمس، وتعشق الهواء النقي. تلك عادة اكتسبتها من والدتها، وتجذرت في جيناتها.

تمشت قليلا في حديقة منزلها الخلفية حافية القدمين. ملأت رئتيها بعمق بهواء صباح نوفمبر المنعش، وإستمتعت بإستنشاق رحيق الزهور. هي تحب حديقتها بأشجارها، ونوافيرها وشلالاتها وزهورها. هي تعشق الزهور. وهنا تأخذ كل صباح ما تسميه""Power Breath،. الإستنشاق العميق لهواء الصباح المنعش النقي المضمخ بروائح الزهور، الممزوج بتغريد البلابل، وخرير المياه.

”كم هي جميلة حديقتي“. هذا ما تقوله في نفسها كل صباح.

عادت للداخل، بدأت بوضع الملابس في غسالة الملابس، ثم غيرت ملابسها، وشمرت عن ساعدها للطبخ…

أطباق اليوم هي دجاج تحت القدر للكبار، ومعكرونة بالجبنة والصلصة البيضاء لشهد، ومعكرونة بالجبنة والصلصة الحمراء لورد. في الأثناء كانت تفرغ غسالة الصحون، وتلمع المطبخ.

اللحم تحت القدر هي وجبة زوجها المفضلة، الا ان وقتها لا يسمح بذلك، لذا عوضت عنها بالدجاج. وضعت الدهن في القدر، فرًمت البصل، وضعته في القدر، وأتبعته بالبهارات والثوم، وقليلا من الملح، والليمون الجاف «العماني»، وبدأت في التحميص. قطعت الدجاج ووضعته في القدر، وواصلت التحريك. جهزت الرز، وقلت الباذنجان والبطاطس. بعد حوالي 45 دقيقة، اضافت الباذنجان والبطاطس والرز نصف المستوي الى القدر، وواصلت تحريك الخليط الذي بدأت رائحته الطيبة تشعرها بالجوع. ثم تركته ينضج ببطء.

ثم بدأت في اعداد المعكرونة بالجبن للبنتين في قدر صغير.

كانت تستمع لأذان الظهر عندما إنتهت من الطبخ. قامت بأداء صلاتها، وجلست لتستريح قليلا...

ساعة أُخرى أمضتها في تنظيف منزلها المتوسط الحجم. بدأت بغرف النوم في الدور العلوي.. فًرغت سلال القمامة، نظفت الحمامات، ثم رتبت الأسرة، ومسحت الأرضيات.

كانت الساعة تقترب من الواحدة عندما أنهت نظافة غرف النوم، لتبدأ في مهمتها الأخيرة في نظافة وترتيب بقية أرجاء المنزل.

على خلفية موسيقى هادئة حاولت ان تسترخي لتريح أعصابها التي لم تهدأ منذ الرابعة فجرًا. أغمضت عينيها محاولة النوم… وأنى لها ذلك.

يتبع،،،،