آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 3:50 م

ثقافة الاستهتار

محمد أحمد التاروتي *

تلعب الجدية دورا أسياسيا، في تشكيل مستقبل الانسان، وقدرته على ترسيخ أقدامه بقوة، في مختلف المجالات الحياتية، فالمرء الجاد يحظى في العادة باحترام الاخرين، مما ينعكس امتلاكه الثقة في المحيط الاجتماعي، الامر الذي يفسر حرص البعض على التعامل مع شخص، والابتعاد عن إنسان اخر، فالأول ينظر للامور بمسؤولية كبرى، بحيث يترجم على شكل انجاز الاعمال بدقة متناهية، «رحم الله امرئ عمل عملا فأتقنه»، بينما الثاني يتعامل مع القضايا باستخفاف، وانعدام كاملة للمسؤولية، وعدم احترام اعمال الاخرين، وبالتالي خروج الاعمال مشوهة، احيانا تكون في طَي النسيان بشكل تام.

انعدام المسؤولية مرض خطير، وقد يتحول الى وباء اجتماعي، بمجرد انتشاره في المجتمع، مما يحول دون القدرة على إصلاح الأمور، خصوصا وان الإحساس بالمسؤولية محرك أساس، لتغيير الواقع بالاتجاه الأفضل، فالمرء المسؤول يتطلع للاحسن على الدوام، بحيث ترجم على شكل مبادرات خلاقة، قادرة على تحريك المياه الراكدة في المجتمع، بينما غياب المسؤولية داء خطير، يصيب الارادة بالخمول، والعقول بالسكون، مما يدفع للسكوت، وعدم الاعتراض على الخلل، والاعوجاج في البيئة الاجتماعية، ”أوحى الله عزّ وجلّ الى شعيب النّبى، انّى معذّب من قومک مائة ألف، أربعين ألفاً من شرارهم وستّين ألفاً من خيارهم، فقال يا ربّ هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار؟ فأوحى الله عزا وجلّ اليه: داهنوا أهل المعاصى ولم يغضبوا لغضبى“.

الاستهتار مرتبط بالمنطلقات الذاتية، واحيانا من الثقافة الجمعية السائدة، فالمرء يتحرك انطلاقا من المعتقدات الفكرية التي يختزلها، كما تشكل البيئة الثقافية الاجتماعية عنصرا، محركا في شيوع عدم اللا مبالاة، في التعاطي مع القضايا الكبرى، او المشاكل الساخنة، اذ نجد عناصر فاعلة وقادرة على تحريك الواقع، بالاتجاه الإيجابي، عبر الامساك بزمام الأمور، وعدم الاستسلام، او الركون للانهزامية جراء قلة الناصر، الامر الذي يقود في نهاية المطاف، لتشكيل مجتمع حي، ونابض بالحياة، في مختلف الاصعدة، بحيث يترك بصمة واضحة، يصعب تجاهلها، او محوها من الذاكرة المجتمعية.

على النقيض تماما، لا يجد البعض غضاضة، في تكسير مجاديف، اصحاب المبادرات الاجتماعية الايجابية، حيث يتحرك أعداء المسؤولية في وضح النهار، وتحت جنح الظلام، لتوجيه الضربة القاضية، لتلك المبادرات، فتارة تكون من خلال التشكيك، في قدرة تلك المبادرات على الحياة، والاستمرارلفترة طويلة، تارة اخرى عبر المحاولة، للتأثير على اصحاب المبادرة، للانسحاب بدعوى المناصحة، وتفادي التعرض للفشل، وبالتالي فقدان جزء من المكانة الاجتماعية، نتيجة ادخال المجتمع في مشاريع فاشلة.

اقتلاع الاستهتار من المجتمع، تتطلب ثقافة مضادة، عمادها تحريك الفرد بالاتجاه الإيجابي، وطرد الحالة السلبية، خصوصا وان التعاطي بنظرة مريبة، او مشككة في اعمال الطرف الاخر، تكرس ظاهرة الاستهتار في النفس، مما يظهر على شكل معارضة، فمرة تكون في الخفاء، والعمل الدؤوب على تخريب تلك المشاريع، مرة ثانية تبرز علانية عبر التصريح المباشر، سواء عبر تشغيل الماكنة الإعلامية، او العناصر المقربة، لعرقلة تلك المبادرات الوليدة، باعتباره مشاريع تحمل في طياتها، تهديدا مباشرا او غير مباشر.

كاتب صحفي