آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 3:32 م

12 دقيقة

كمال بن علي آل محسن *

هندسة الوقت وإدارته تحتاج منا إلى أن نعي وندرك ونفهم أهمية تلك الساعة وعقاربها التي لا تتوقف مطلقا، فهي في ديناميكية مستمرة، أما نحن فبين حركة وتوقف، وإننا إن لم ننظم حياتنا بالتوازي مع الوقت وضبطه بما يحقق لنا الاستقرار النفسي والاجتماعي، واستثماره بما يعود علينا بالنفع والفائدة والمتعة؛ فإننا بذلك نكون قد عرضنا أنفسنا وأهلينا والنَّاس من حولنا إلى خطر محدق ومشاكل لا حصر لها.

ولتبيان ما أرمي إليه، سأطرح صورتين متناقضتين في مسألة التعامل مع أهمية الوقت: الصورة الأولى نراها منتشرة بكثرة في مجتمعنا، بينما الصورة الثانية نادرة الحدوث، وبين هذه وتلك دعونا ندخل في التفاصيل:

الصورة الأولى:

إنْسِيٌّ يصحو من نومه متأخرا؛ كي يتمكن من الذهاب إلى مقر عمله في الوقت المحدد، وبطبيعة الحال فإن الذهاب متأخرا تترتب عليه حالة من الاضطراب وعدم الاستقرار والارتباك في كل شيء: في الاستعداد المنزلي، في تشغيل السيارة، وفي القيادة على الطريق وصولا إلى مقر العمل في زمن أشبه بالقياسي، ويتخلل ذلك إعمال العقل والفكر في المبررات المناسبة في حال عدم النجاح في الوصول في الوقت المطلوب.

ربما لا يعنينا كثيرا كل ما ورد في تفاصيل الصورة الأولى إلا نقطة واحدة، وأظن أنها مربط الفرس وجوهر الموضوع، وهي رحلة قيادة السيارة بهذا الشكل من الاضطراب والارتباك وما إلى ذلك من الأمور التي ستكون لها تبعات وآثار سلبية مترتبة عليها، ومن جملة تلك التبعات والآثار والنتائج، أن تشاهد ذلك الإنسي وهو يقود سيارته بسرعة متهورة وكأنه في لعبة «البلاي ستيشن»، ويتنقل بين مسارات الطريق بتهور وعدم اكتراث بالآخرين، ومن أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، والإشارة المرورية في قاموسه لها لون واحد هو الأخضر فقط، فضلا عن إرباك سائقي المركبات الأخرى، وكل ذلك من أجل ماذا؟! من أجل أن يصل إلى مقر عمله في الوقت المحدد.

هذه الرحلة القاتلة من القيادة المتهورة وغير المسؤولة مرجعها إلى عدم الاهتمام بأهمية الوقت، وليت ما يفعله يوفر عليه وقتا كبيرا، فما هي إلا بضع دقائق كان بالإمكان توفيرها سلفا.

لو عدنا إلى إحصائية الفارق الزمني أثناء قيادة المركبات بناء على سرعاتها لوجدنا التالي:

- قيادة السيارة على سرعة 140 كم بدلا من 120 كم توفر 7 دقائق.

- قيادة السيارة على سرعة160 كم بدلا من 120 كم توفر 12 دقيقة.

- قيادة السيارة على سرعة 180 كم بدلا من 120 كم توفر 16 دقيقة.

- قيادة السيارة على سرعة 200 كم بدلا من 120 توفر 20 دقيقة.

في الأعم الأغلب فإن قيادة السيارة على سرعة 160 كم هي الأكثر بين قائدي المركبات، وعلى هذا فإن الوقت الأقصى للتوفير هو 12 دقيقة، والسؤال الذي يفرض نفسه بعد هذا العرض الموجز للسرعات، ولا نرى مناصا من طرحه:

هل هذه المدة الزمنية القصيرة وأعني بها ال «12 دقيقة» تستحق منا كل تلك التضحيات؟!

لا أظن أن يختلف اثنان في الإجابة عن هذا السؤال في أن الأمر لا يستحق ذلك أبدا، ومن له عقل راجح سيأنف حتما من هكذا تصرفات غير مسؤولة أثناء قيادة السيارة بهذا الشكل؛ لأجل توفير هذه المدة الزمنية.

إن توفير «12 دقيقة» ممكن وسهل جدا ولا يحتاج منا كل تلك التضحيات، ولا إلى مزيد من الجهد في تعلم كيفية إدارة الوقت، كل ما في الأمر أن تبكّر في نومك، لتصحو مبكرا وقبل موعدك المعتاد باثنتي عشرة دقيقة التي هي أساس تلك المشكلة، فالأمر غاية في البساطة والسهولة؟!

أهمية الشيء تكمن في معرفة المنافع والفوائد والثمار التي ستجنيها منه، فعليك أن تفكر في النتائج الرائعة جراء توفيرك هذا، حيث ستجني الهدوء والاستقرار والمتعة، فاجعل رحلتك إلى مقر عملك هادئة وادعة، واستمتع بوقتك وأنت ترتشف قدحا ساخنا من مشروبك المفضل؛ حتى تصل وكلك تفاؤل وطاقة وإيجابية وحماسة ورغبة في الإنجاز والعطاء والإبداع.

أُدرك أنك تنتظر أن أستعرض لك الصورة الثانية، ولكني سأترك لك المجال؛ كي تعبر عنها بما تشاء من عبارات يظللها الجمال والسكينة والهدوء والتفاؤل.

وللحديث بقية...